الاردن لـ "عباس": "لست ياسر عرفات"
تداولت العديد من المواقع الاعلامية المحلية والعربية أخباراً تؤكد بوجود ما يشبه القطيعة بين الأردن والرئيس محمود عباس.
وقد تكون رسالة الأردن للرئيس عباس، عبر دبلوماسي أردني سابق "المجالي"، أقصر رسالة سياسية توجه إليه، وتتلخص في ثلاث كلمات "لست ياسر عرفات"، ومن يقرأ هذه الرسالة المختزلة يلمس مدى غضب عمان من لعب "ابو مازن" المكشوف على جميع "الحبال" وتجاهل خطاب الملك يوم الثلاثاء الماضي أي ذكر لعباس وسلطته، وركز على عروبة القدس وفلسطين.
في السياق، اعتبر “مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة”، المرتبط بحكومة اليمين المتطرف في "تل أبيب"، أن التوتر بين الأردن والفلسطينيين وجد ترجمته في الخطاب الذي ألقاه الملك عبد الله الثاني مؤخرا، أوضح المركز أن هناك قطيعة شبه تامة بين الأردن والسلطة، وادعى المركز أن الأردن هدد السلطة الفلسطينية بإغلاق أبواب الأردن أمام الفلسطينيين في الضفة الغربية.
ومن نقاط الخلاف التي ظهرت على السطح أخيرا تحريض السلطة لوسائل إعلامها لرفض فكرة نصب كاميرات مراقبة في المسجد الأقصى، وكذلك تجاهل السلطة قضية طرد ممثلي وزارة الأوقاف من المسجد الأقصى، إلى جانب انزعاج الأردن من تصدي الجانب الفلسطيني لطرح قضايا القدس والمسجد الأقصى في المحافل الدولية، كما حدث مؤخرا عندما أسفر التحرك الفلسطيني عن إعلان “منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم” (يونيسكو) رفضها للرواية اليهودية التي تربط بين اليهود والمسجد الأقصى.
وضمن السياق كشف موقع “ميدل إيست آي” الذي يرئس تحريره الكاتب ديفيد هيرست، نقلا عن مصادر أردنية وفلسطينية، أن الإمارات ومصر والأردن تخطط لمرحلة “ما بعد محمود عباس”، من خلال الإعداد لإحلال القيادي المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان خلفا لعباس، في رئاسة السلطة الفلسطينية وفتح منظمة التحرير الفلسطينية.
وأشار الموقع إلى أهم ملامح الخطة وهي: توحيد وتقوية فتح في الانتخابات القادمة ضد حماس. وإضعاف حركة حماس وتقسيمها إلى فصائل متصارعة. و التوصل إلى تسوية سلمية بين الدول العربية وإسرائيل. والسيطرة على المؤسسات السيادية الفلسطيني، والسلطة الوطنية الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ورئاسة وزعامة ” فتح”.
وبحسب الخطة، سوف يعزل عباس من خلال الانتخابات التشريعية التي قد تعقد في هذا العام، وسيتم استبداله والتوصل لاتفاق مع “إسرائيل”، والاتفاق مع “حماس” لعقد انتخابات رئاسية وتشريعية، وإعادة تشكيل السلطة الفلسطينية.
وثمة اعتقاد شائع وقد يكون صحيحا بأن عباس انتهى سياسيا، وربما صحيا، ووفقا لأكثر من محلل سياسي عربي فإن عباس هو رئيس "خارج التغطية" وأصبح يدلي بتصريحات “كارثية” على القضية الفلسطينية ومستقبل المنطقة، ومن الضروري للأردن عدم ترك الأمور لأي مفاجأة من عباس حتى فترة الانتخابات.
وفي ظل هذا الإطار، تضغط عدة جهات عربية للدفع نحو ضرورة تعيين “أبو مازن” للقيادي دحلان نائبا له أو على أقل ترجيح إجراء مصالحة بين الرجلين.
المعلومات الصحفية التي يتم تداولها تؤكد عدم رغبة دحلان في هذه المرحلة تقديم نفسه مرشحا للرئاسة، ولهذا سيحاول ترشيح نفسه رئيسا للبرلمان وهو منصب يعتقد أنه قادر من خلاله السيطرة على الرئاسة. ويريد دحلان منصب الرئاسة لناصر القدوة، وزير الخارجية الفلسطيني السابق، مع أن الإسرائيليين يفضلون أحمد قريع (أبو علاء)، مع العلم أن دحلان يعتقد أنه قادر على التأثير على الاثنين.
وهو لا يعارض، إي دحلان، قيام الأردن بترشيح من يراه مناسبا للمناصب القيادية في فلسطين وهي، رئاسة “فتح” ورئاسة منظمة التحرير ورئاسة السلطة الفلسطينية ، وبإمكانه التعامل مع أية أسماء التي سيقترحها الأردنيون.
وفيما يتعلق بـ”حماس” فإن الاقتراح هو احتواء الحركة في داخل مناطق السلطة، أو ممارسة “ضغط ناعم” من قبيل خطط بناء محطة تحلية المياه التي ستقدم خدمات لغزة، في الوقت الذي تمنح فيه المصريين وحلفاءهم الخيار لقطع المياه عن غزة، ويعتقد دحلان أنه من الممكن العمل مع “حماس” داخل غزة.
لكن الأردن يتعامل مع هذا السيناريو بحذر فالأردن يعرف نقاط ضعف دحلان وبأنه ليس خيارا كاملا أو مثاليا، فهو مثلا لا يحظى بشعبية بين الفلسطينيين ويتهم بالفساد وعلى علاقة مع المخابرات "الإسرائيلية"، وعلاقته معدومة وبدرجة “صفر” مع عباس الذي يرى دحلان تهديدا رئيسيا على رئاسته، كما انه إشكالي بسبب عمله خارج مناطق السلطة الوطنية وفي بعض نقاط التوتر في الدول العربية مثل ليبيا.
ويعتقد الأردنيون، بحسب "ميدل إيست آي، أن قرار عباس استبدال ياسر عبد ربه سكرتير اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وتعيين صائب عريقات بدلا منه، يظهر وعي عباس بإمكانية حدوث انقلاب عليه، وقد يعمل ضد المصالح الأردنية في “إسرائيل”.
ويعتقد أن السياسة الأردنية التي تبتعد كلية عن إحداث صدمات أو اهتزازات كبيرة، تقوم حاليا على مواصلة تعزيز الاتصالات مع دحلان، وإظهار الاهتمام بالمصالحة داخل ” فتح”، وإبلاغه الانتظار حتى نهاية الانتخابات الأمريكية والطلب من الأمريكيين كي يدفعوا عباس باتجاه المصالحة.
وسيبلغ الأردن دحلان ضرورة تحضير الأجواء قبل التحرك، وفي الوقت نفسه “فحص إخلاص دحلان ومصداقيته” من خلال دعم وضع الأردن في القدس بطرق عملية وكل ما يتعلق بالمصالح الأردنية مع فلسطين.
ويرى الأردن منافع عملية للعمل مع دحلان؛ فمصالحة داخل “فتح” قد تساعد، مثلا، الأردن على ممارسة التأثير في الضفة الغربية. لكن الأردن يرى أن هناك عددا من “المصائد” و”المطبات”، منها التأثير على سياسة الملك بالابتعاد عن الخلافات الداخلية الفلسطينية، والخوف من أن يصبح الأردن جزءا من الخلافات الداخلية داخل “فتح”، والتأثير على العلاقات مع عباس.
الأردن حذر جدا فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني فهو يفضل ألا يقود، أو أن لا يكون جزء من أي مبادرة من المحتمل فشلها. وبسبب مشاركة دحلان فسينظر للملك على أنه يدعم طرفا ضد آخر. وهي الطريقة نفسها التي ينظر عباس بها للدور الذي يؤديه السيسي والإمارات العربية المتحدة.
وبدا للكثيرين بان زيارة رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عبدالسلام المجالي لفلسطين وكأنها محاولة لاستعادة الدور الأردني في فلسطين عبر طرح “الكونفدرالية” وهو ما يبدو غير متاح حاليا، ولا يتفق مع ساسة الأردن بعدم التورط في الفوضى الفلسطينية ، وأن الهدف من الزيارة ربما توجيه رسالة لعباس بعدم اللعب بالنار وبقبول نائب له على الأقل، وإجراء مصالحة داخلية قبل أن تنتشر الفوضى ويصبح من المستحيل احتوائها.