الثلاثاء 07-05-2024

الأردن وإسرائيل.. سلام مجمد وشارع رافض

×

رسالة الخطأ

رنا الصباغ

الأردن وإسرائيل.. سلام مجمد وشارع رافض
رنا الصباغ
على السطح، تبدو معاهدة وادي عربة التي دخلت عامها الثامن عشر قبل أيام، شبه مجمدة؛ باستثناء تواصل رسمي ودبلوماسي في إطار محدود.يقابل ذلك مجتمع تصر غالبيته على صد أي محاولة لتطبيع العلاقات. وآخر جدران الصد كان تهديد عشيرة العبيدات -التي قدّمت العديد من الشهداء في الحروب مع إسرائيل- بالتبرئ من ابنها وليد، في حال قبل تمثيل بلده لدى إسرائيل، بعد شغور هذا المقعد لأكثر من عامين.لكن تحت السطح، ثمّة تحرك رغم برودة الاتصالات السياسية والدبلوماسية العلنية منذ فشل الأردن في إنقاذ المسار التفاوضي بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل تحت رعايته مطلع العام 2011، وإن كانت في الغالب محاولة لاسترضاء أميركا وتخفيف ضغوطها المطالبة بإصلاحات سياسية في العمق آنذاك.غالبية لجان التعاون الثنائي، في كل المجالات، تجتمع باستمرار. لكن غالبية أخبار الاجتماعات تبقى قيد الكتمان، خشية اصطدام الحكومة مع رأي عام معاد للمعاهدة على وقع سرطان الاستيطان في الأراضي المحتلة، و"بجاحة" محاولات تهويد القدس الشرقية ومقدساتها، وغياب أفق إقامة دولة فلسطينية مستقلة.وبحسب معلومات رسمية حصلت عليها كاتبة المقال، فإن اللجنة المشتركة للمياه تبقى الأكثر نشاطا بين اللجان المشتركة التي انبثقت عن معاهدة السلام، حالها حال لجنة الأمن والحدود.ومنذ اشتداد الحرب في سورية –ممر 60 % من تجارة الأردن والترانزيت مع أوروبا- نشطت اجتماعات لجنة النقل المشترك في البحث عن "طرق لانسياب الصادرات الأردنية إلى أوروبا عبر ميناء حيفا، بخاصة الخضراوات في الشتاء، فصل الذروة"، بحسب مسؤول مطلع على ملف المحادثات.وقبل أشهر، زودت إسرائيل الأردن بـ"ثلاثة ملايين متر مكعب" من المياه فوق الكميات السنوية المتفق عليها وفق المعاهدة؛ ذهب جلها لاستهلاك اللاجئين السوريين المقيمين شمال المملكة. وقبل أشهر أيضا عرضت إسرائيل بيع المملكة غازا طبيعيا بسعر التكلفة في مواجهة انقطاع إمدادات الغاز المصري بأسعار تفضيلية، وبالتالي تفاقم عجز الموازنة بسبب استبدال الغاز بالوقود الثقيل. لكن هذا العرض يتطلب مد أنبوب من أراضي الأردن باتجاه الشبكة التي تزود إسرائيل بالغاز الطبيعي، ما قد يثير زوبعة سياسية داخلية.في الأثناء، لم يتوقف السفر إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة؛ وجل الزوار يبتغون التواصل مع أقربائهم هناك. فخلال العام 2011، تعاملت السفارة الإسرائيلية في عمان مع 15 ألف طلب للحصول على فيزا، منحت تأشيرات لـ70 % منها. وفي العام الماضي أيضا، عبر 135 ألف إسرائيلي إلى الأردن، غالبيتهم من فلسطينيي 1948، من خلال جسر الشيخ حسين، وفق الأرقام الرسمية. إلى ذلك، وصل حوالي 30 ألف إسرائيلي عبر جسر الملك حسين خلال الفترة نفسها، غالبيتهم رجال أعمال.وبلغت حركة عبور السياح الأجانب 73 ألف قادم من إسرائيل، و43 ألف مغادر إليها عبر جسر الشيخ حسين، و147 ألف مغادر إلى إسرائيل و85 ألف قادم عبر جسر الملك حسين.أما المبادلات التجارية فمستمرة. ففي العام 2011، صدّرت إسرائيل بضائع بقيمة 209 ملايين دولار، بارتفاع 19 % عن العام الذي سبقه؛ وغالبية البضائع وجدت طريقها إلى دول الخليج العربي بعد تمويه بلد المنشأ. في المقابل، استوردت الدولة العبرية من المملكة العام 2011 بضائع بقيمة 64 مليون دولار، مقارنة مع 78 مليون دولار العام 2010.العلاقات السياسية بين البلدين باردة، وانقلبت 180 درجة عن حالها خلال السنوات العشر الأولى على توقيع الاتفاقية. واليوم، يحبس الساسة الأردنيون أنفاسهم لحين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية الأميركية؛ يراقبون بقلق تداعيات إعلان زعيم الليكود المفاجئ -رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو- وزعيم حزب "اسرائيل بيتنا" المغالي في التطرف -وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان– عن خوض الانتخابات المقبلة في 22 كانون الثاني (يناير) ضمن قائمة انتخابية واحدة تحت اسم "ليكود بيتنا". وفي حال أعيد انتخاب باراك أوباما للرئاسة الأميركية، يبقى هناك أمل ضئيل في قيام دولة فلسطينية مستقلة. لكن تحالف "حكومة حرب" و"تكتل متطرفين" يبقى سيناريو مرعبا، وليبرمان قال قبل أيام إن التفاوض حول القدس "خط أحمر".في الاثناء، يجنح المجتمع الإسرائيلي أكثر فأكثر صوب اليمين والتطرف، حال أحزابه التي كانت تصنف ضمن خانة اليسار. الاقتحامات الممنهجة بعلم المسؤولين الإسرائيليين لحرم المسجد الأقصى تتواصل، في خرق فاضح لتفاهمات قديمة، وفي تحد لدور الأردن في حماية ورعاية المقدسات في القدس المحتلة. ويصب نواب الكنيست المتطرفون الزيت على النار بمحاولتهم سن تشريع يطالب بالسماح بتقسيم الحرم الشريف في وقت الصلاة بين المسلمين واليهود، في خرق لاتفاق سائد منذ عقود. وفي استخفاف بشرعة الأمم المتحدة وقراراتها، يتوقع أن يطرح نتنياهو على جدول أعمال حكومته تقريرا لقاض متقاعد هو إدموند ليفي، يدعي فيه أن إسرائيل ليست دولة احتلال، وعليه يمكن شرعنة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلتين.وتستمر الحفريات حول المقدسات الإسلامية من كل حدب وصوب وسط خشية من انهيار حائط البراق، ما قد يضع الأردن في موقف حرج أمام المسلمين والعرب. وقد تم الانتقاص من مشاريع الإعمار الهاشمي للمقدسات، بما في ذلك منع الأردن من إرسال طفايات حرائق للمسجد، ورفض طلبات لإجراء مسح فني لحال المقدسات، وأيضا محاولات أردنية منذ العام 2004 لترميم جسر باب المغاربة الموصل بين ساحة البراق والحرم الشريف.تصر إسرائيل على مواصلة الاستيطان رغم مئات الإدانات الدولية؛ بما فيها الأردنية والأميركية ومن السلطة الفلسطينية العاجزة. وأخيرا، اعتقلت إسرائيل مدير المسجد الأقصى المعين من قبل الأردن، ومنعته من دخول باحة المسجد لأشهر بسبب ادعاءات حول علاقاته مع "حماس".في كل مقابلة صحفية، يحذّر الملك عبدالله الثاني من ضياع فرصة السلام وانعكاس ذلك على أمن المنطقة واستقرارها.لكن الحكومة الإسرائيلية وساستها المتطرفين قرروا، على ما يبدو، خلع قفازاتهم الحريرية مع الأردن وإظهار نواياهم الحقيقية، من خلال العبث بملفي الاستيطان والقدس، في ضربة لصميم معاهدة السلام وموقف الأردن السياسي الضعيف أمام الشعب. وتتنامى مخاوف من شن حرب إسرائيلية على إيران بعد الانتخابات، ما سيجلب تداعيات على غالبية دول المنطقة المتغيرة. كذلك، تستمر مخاوف الأردنيين من مواقف نواب وساسة متطرفين إسرائيليين يرون في الأردن دولة بديلة عن فلسطين، ويطالبون بطرد عرب 48.محليا، تصر غالبية أعضاء فريق التفاوض مع إسرائيل على أن المعاهدة أمّنت اعتراف الدولة العبرية بكيان الأردن، وأن المشاكل بين الدولتين تحل بالتفاوض أو التحكيم. وهم في موقفهم هذا يخالفون غالبية تعتقد أن الأردن اقترف خطأ استراتيجيا في لحظة ضعف، سببتها انتهازية الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي طعن الأردن في الظهر حين توصل إلى تفاهمات أوسلو السرية مع إسرائيل العام 1993. وهناك قناعة شعبية راسخة بأن المفاوضين قدّموا تنازلات كبيرة على صعيد الأرض، والمياه، واللاجئين والسيادة.حلم الدولة الفلسطينية لم يعد على جدول الأعمال. وسياسات التطرف الإسرائيلية العلنية باتت تطعن الأردن في الصميم، وتهدد أمنه واستقراره. وتزداد أصوات ساسة، ونشطاء، وكتاب ونقباء مهنيين بضرورة البحث فيما قدمه الأردن من تنازلات، والعمل على استردادها، أسوة بما يحاول الرئيس المصري محمد مرسي عمله، من خلال إعادة فتح ملف سيناء بترتيباته الأمنية المجحفة، مستغلا تكسير الهيمنة الأحادية للولايات المتحدة مقابل بروز قوى عظمى أخرى متمثلة في الصين، وروسيا، والهند، وتركيا.أعان الله السفير عبيدات في تل أبيب محاصرا بمسؤولين متطرفين وعنصريين، وبمواقف الشارع الأردني المعادي للمعاهدة. لكنه قد يجد سلوى هناك في زميله السفير المصري الذي عين قبله بأسابيع.

انشر المقال على: