الاثنين 13-05-2024

اسرائيل: دولة يهودية أو دولة مواطنيها؟

×

رسالة الخطأ

د. فوزي الاسمر

اسرائيل: دولة يهودية أو دولة مواطنيها؟

بقلم: د. فوزي الأسمر

يكشف الصراع الدائر في إسرائيل حول تجنيد الحرديم (اليهود المتدينين) للجيش الإسرائيلي في خدمة إلزامية، بعد أن كانوا معفيين من ذلك حسب "قانون طال" (على إسم واضعه وهو القاضي تسفي طال، وقد سن القانون في 22/8/1999)، يكشف عن جانب عنصري يضاف إلى العناصر الأخرى.

فالقانون المطروح والذي تقدم به عضو الكنيست الحالي يوحنان بلسنر والمسمى "قانون المساواة في تحمل الأعباء" لا يقتصر على تجنيد الحرديم، بل تجنيد كل المواطنين، بما فيهم الفلسطينيين العرب من مواطني الدولة.

والواقع أن الحكومات الإسرائيلية جميعها بررت عدم دمج المواطنين العرب في كل شرايين الدولة، خصوصا الإقتصادية منها، بحجة أنهم لا يقومون "بتحمل الأعباء" كغيرهم من المواطنين اليهود والدروز، ولهذا فإنهم لا يستحقون فتح كل الأبواب أمامهم وإعطاءهم كل الإمتيازات التي تقدم لمن خدم العلم في إسرائيل.

فكل الشركات المرتبطة بمشاريع علمية، وأماكن العمل التي تعتبرها الحكومة حساسة والمرتبطة بما يسمى "الأمن القومي"، يحتوي نموذج التقدم بطلب للعمل فيها، على بند يتعلق بالخدمة العسكرية، وما دام العربي لا يخدم الجندية، فإن نموذجه يسقط بشكل أوتوماتيكي.

فالتخبط الواقعة فيه إسرائيل منذ قيامها هو: كيف يمكن بناء ديمقراطية حقيقية وفي نفس الوقت المحافظة على يهودية الدولة؟ فالدولة في عرف قادة إسرائيل يهودية، وأمنها يهودي، بمعنى أن اليهود فقط يستطيعون المحافظة على هذا الأمن، وبالتالي فإنه لا يمكن تسليم أي جزء أمني للمواطنيين العرب.

وبقيت مسألة المساواة التامة لكل المواطنين في الدولة معلقة منذ قيامها، وكان الشعار المرفوع هو "من يخدم الدولة يحصل في المقابل على خدماتها وإمتيازاتها". وكان معنى ذلك أن التمييز ضدّ العرب في إسرائيل قد فرض عليهم بدون إرادتهم، فإسرائيل لا تريد تجنيدهم، وبالتالي فإن حجتها في عدم المساواة التامة أن العرب لا يقدمون كل الخدمات. وفي أكثر من مناسبة تحدى بعض الكتاب العرب إسرائيل بأن تقوم بتجنيد العرب أيضا، ولكنها لم تفعل ذلك.

ومع ذلك فقد دعا عدد من المعلقين الإسرائيليين إلى ضرورة تطبيق المساواة في تحمل الأعباء. فقد نشرت صحيفة "معاريف" (10/7/2012) في تعليق لها قولها أنه: "من دون مساهمة العرب (في إسرائيل) لا يمكن تحقيق المساواة في تحمل العبء". وتضيف الصحيفة قائلة أن ألأمر صعب ولكن هناك مبدأ يجب إتباعه وينطبق على جميع مواطني الدولة بما فيهم الحرديم والعرب.

فأمن إسرائيل لا يستطيع إحتمال تجنيد حتى واحد بالمائة من المواطنين العرب فيها، أي حوالي 150 الف جندي تدربهم على حمل السلاح واستعمال أدوات الحرب والخطط الإستراتيجية الحربية الأخرى. وكيف يمكن أن يثق فلسطيني 1948 بحكومات عملت كل ما في وسعها لسرقة أراضيهم، وأقامت المجازر ضدهم ،وأنزلت بهم كل أنواع التمييز، كما أن هؤلاء القادة برهنوا أنهم غير معنيين بالوصول إلى سلام عادل مع الشعب الفلسطيني؟!

فالحكومة الحالية غير معنية بأي نوع من السلام، بل إنها تتطلع إلى إستسلام فلسطيني شامل لكل رغباتها ولكل مطالبها، رغم التصريحات الرنانة التي يطلقها بعض القادة الإسرائيليين بالنسبة للسلام وقيام دولة فلسطينية. وقد يكون من الصعب سماع تصريحات تنم عن حقيقة تفكير قادتها، كما أن أعمالها والقوانين التي تصدرها تثبت ذلك. وقد كان آخرها ما نشرته صحيفة "هآرتس" (10/7/2012) أن "لجنة ليفي" (إدمون ليفي قاضي المحكمة العليا المتقاعد) الخاصة التي عينها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وكلفها دراسة وضع البؤر الإستيطانية غير الشرعية في الضفة الغربية، قد أوصت بشرعنة هذه البؤر، وقالت أن إسرائيل لا تعتبر قوة محتلة في الضفة الغربية. وهذا الموقف يتناقض مع كل المواقف العالمية والقوانين الدولية، ولا أدري إذا كان في إستطاعة حكومة نتنياهو الموافقة على توصيات التقرير.

واحيانا نسمع تصريحات غير مباشرة عن حقيقة تفكير هؤلاء القادة ففي مقابلة مع "القناة الثانية" في التلفزيون الإسرائيلي (هآرتس 8/7/2012)، قال والد نتنياهو، البروفيسور بن تصيون نتنياهو قبل وفاته ردا على سؤال حول صهيونية إبنه نتنياهو: "هل تعتقد أن بنيامين قد نسي صهيونيته؟ إنه لن يوافق على قيام دولة فلسطينية، ويضع الشروط التي لن يقبلها العرب على الإطلاق.. وواضح أن كل الكلام عن تجنيد العرب للجيش الإسرائيلي هو كلام فارغ ولا يحمل أي نية لتطبيقه".

وأمام أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل أكثر من مثال حي يدفعهم إلى عدم الثقة بما قامت وتقوم به حكومات إسرائيل المتكررة. ولعل أكثر الأمثلة واقعية هو وضع أبناء الطائف الدرزية في إسرائيل. فقد وقعّ مشايخها في بداية الخمسينات على إتفاقية تنص بتجنيد أبناء الطائفة إلزاميا للجيش الإسرائيلي. فأول تمييز كان هو إقامة وحدة درزية في الجيش التي منعت الإنخراط الكامل لهم فيه.

وما هي الإمتيازات التي حصل عليها أبناء الطائفة الذين خدموا الجندية؟ إقامة وحدة حرس الحدود. تسليمهم حراسة في السجون الإسرائيلية وبعض المناصب الأخرى والمرتبطة بالمجتمع العربي. ولكن صودرت الكثير من أراضيهم وواجهتهم مشاكل في الحصول على رخص لبناء المنازل. بالإضافة إلى تمرد بعض الشباب الدروز ضدّ الخدمة العسكرية مما أدى إلى وجود عدد كبيرمنهم في السجون العسكرية. بمعنى آخر فإن الخدمة العسكرية لم تسمح بدمج كامل لأبناء الطائفة الدرزية في المجتمع الإسرائيلي.

وقد لاحظ عدم الثقة في الحكومات الإسرائيلية لدى فلسطينيي الداخل المحلل السياسي المخضرم، عكيفا إلدار، حيث كتب (هآرتس 9/7/2012) يقول: "من الصعب تأنيب الأقلية العربية (في إسرائيل) بسبب فقدانها الثقة بالأحزاب الصهيونية، وفهم مدى مقدرة الأحزاب غير الصهيونية، وفهم أبعاد وتصرفات النظام. لقد شبعت (هذه الأقلية) من التأكيدات والتعهدات التي يقوم بها المندوبون".

انشر المقال على: