الاثنين 13-05-2024

اختبارات وتجارب على الحدود التركية ــ السورية

×

رسالة الخطأ

د. خليل سليم

بعد أن نشرت الولايات المتحدة الأميركية صواريخها على الأراضي التركية، ولا سيما أن تركيا هي عضو في حلف الناتو، استدعى ذلك رد فعل من روسيا قبل سوريا وإيران. واعتبرت روسيا أن هذه الصواريخ هي تحت نوافذ بيوتها كما أعلن وزير دفاع روسيا الاتحادية وتستهدفها بالدرجة الأولى! لم تعد مسألة توسيع ميناء طرطوس لاستقبال السفن الحربية الروسية ومحطة للأسطول الروسي في المتوسط كافية للرد على نشر الصواريخ. ومع تصاعد واشتداد الأزمة السورية، ودور أنقرة الواضح والعلني، الذي يبدو أنه أقرب إلى إعلان حرب على النظام السوري، تمظهر ذلك بالدعوة لعقد مؤتمر أصدقاء سوريا، والإقامة الدائمة للمجلس الوطني المعارض في اسطنبول، ناهيك عن إقامة المخيم الدائم للمجموعات المسلحة المعارضة على الحدود التركية ــ السورية، فإذا كانت كل هذه المسائل ليست بإعلان حرب فما هي أشكال الإعلان عن الحرب؟
عود على بدء، وفي خضم الصراع واشتداد الأزمة حول سوريا جاء الحدث المثير لتجربة الصاروخ الروسي العابر للقارات ليوجه رسالة واضحة، ليس بمدلوليتها فحسب، بل بالتأكيد من قبل القادة العسكريين الروس أن "الصاروخ قد نجح في اختراق المنظومة الدفاعية لحلف الناتو في المنطقة" مما استدعى دراسة معمقة من قبل حلف الناتو، وجاءت عملية اختبار دفعت إليها تركيا للقيام بها، عبر توجيه طائرة عسكرية لإختراق المجال الجوي السوري يهدف منها: اختبار منظومة الصواريخ الروسية الصنع في سوريا وجهوزيتها وأيضاً لجس نبض السوريين والروس معاً إلى أي مدى يمكن أن يذهب الاثنان في عملية الرد على الاختراق للمجال الجوي السوري! وهنا جاءت تصريحات القادة الأوروبيين وأميركا بوصف إسقاط الطائرة من قبل سوريا "بالعمل الوقح" كما عبّر عنها وزير الدفاع البريطاني، وتركيا تحذر من عدم تحدي الجيش التركي! ودعت لعقد جلسة طارئة لحلف الناتو للثأر لكرامة تركيا المجروحة ورافق ذلك تصاريح عنترية لاوغلو و"دينكيشوتية" تعودنا سماعها مؤخراً من أردوغان.
بالرغم من تنمر الحكومة التركية فهي تدرك أولاً أن أي تدخل كبير لها في سوريا سيدفع الأسد إلى ما كان يهدد ويلوح به مراراً في وجه تركيا بتسليح الأكراد واليوم بعد التسليح لمجموعات المعارضة السورية وانطلاقها من الأراضي التركية أصبح الأمر طبيعياً، وقد زادت هجمات الأكراد على الجيش التركي، وتصاعد العنف بشكل مضطرد. الإدارة التركية محقة عندما حذرت وأكثر من مرة من انعكاس الوضع في سوريا على أمنها الداخلي. وخاصة إذا تطورت الأوضاع في سوريا إلى حرب أهلية وإلى صدامات مذهبية وإثنية ستتأثر بها تركيا بشكل مباشر، لأن البيئة الاجتماعية، والحساسيات المذهبية، تتشابه فيها مع البنية الاجتماعية في سوريا. ومن جهة أخرى حذرت المعارضة التركية من مغامرة عسكرية تقوم بها حكومة أردوغان، وتجر معها حلف الناتو للقيام بها، كما وصف الحزب الشيوعي التركي عملية خرق الطائرة العسكرية للأجواء السورية "بالعملية القذرة والاستفزازية ودعا إلى رحيل الحكومة". في حين قادة الجيش التركي، يفكرون بعقول باردة وإستراتيجية ويدركون تماماً أن منظومة الصواريخ السورية المتوسطة والبعيدة المدى قادرة على إلحاق الأذى الكبير بتركيا، في حال قررت الأخيرة الحرب. لذلك ستكون حرب عدوانية واعتداء على سيادة ووحدة سوريا، وستشعل المنطقة برمتها، لأن روسيا وإيران ناهيك عن الصين لن يقفوا مكتوفي الأيدي، وتجربة ليبيا لا تزال ماثلة في الأذهان، ومن قبلها العراق. الذي تعرف حكومته حالياً، مدى تأثير ذلك على الوضع العراقي الداخلي، خاصة بعد أن كشفت أوراق تركية في العراق وملاحقة طارق الهاشمي نائب رئيس جمهورية العراق ورجل تركيا ودوره في تزعم المكون السني في العراق المرتبط بتركيا الطامحة لقيادته على المستوى العراقي وفي المنطقة. هذا الدور تعرض لانتكاسة بعد إصدار مذكرة لإلقاء القبض على الهاشمي الذي ثبت ضلوعه في التفجيرات الإرهابية الطائفية في العراق، وساهم ذلك في كشف أوراق الإدارة التركية أيضاً في العراق. والآن اصطفافها طرفاً مباشراً في الصراعات الداخلية في سوريا والمنطقة والعالم. لم تعد تركيا مقبولة كمرجعية أو القيام بدور وساطة في حل مشاكل المنطقة لأنها تطمح على أن تكون اللاعب الأوحد بعد إسقاط النظام السوري والتفرد في حكم المنطقة مما أفقدها التوازن والعقلانية في التعامل مع الامتحان السوري وبدأت تركيا تخلط برأينا بين التطلعات والآمال وبين المصالح حيث قدمت تطلعاتها وطموحاتها (العثمانية الجديدة) على مصالحها وانتقلت من سياسة صفر مشاكل إلى حرب في أكثر من اتجاه: سوريا، العراق، إيران، والأكراد. تركيا تواجه إحراجاً بعد إسقاط الطائرة وتعثر المجموعات المسلحة المختلطة من سوريين ومن دول أخرى، والعاجزة حتى الآن على إسقاط النظام السوري وإن كان النظام لم يستطع انهاءها وتنهكه بعملياتها المدمرة للبشر والحجر. وحتى التجربة التركية التي يجري التغني بها أي المزاوجة بين العسكر والإسلام المعتدل قد تسقط وتؤثر على مسار تعميمها في المنطقة العربية والمدعومة من أميركا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل والرجعية العربية في دول الخليج. تشهد المنطقة اليوم وعلى الحدود التركية ـ السورية خاصة، تجارب واختبارات لحرب غير معلنة دولية وإقليمية تشكل تعبيراً عن اشتداد الصراع وتأزمه، وعلى نتائجها ستتوضح الصورة التي سيكون عليها المشهد العربي الجديد!

انشر المقال على: