السبت 27-04-2024

إنشاء مصنع للإسمنت ضرورة وطنية واقتصادية

×

رسالة الخطأ

محمد خضر قرش – القدس

إنشاء مصنع للإسمنت ضرورة وطنية واقتصادية
محمد خضر قرش – القدس
تابعت كغيري من المهتمين بالشأن الاقتصادي العام، النقاش الحاد الدائر بين وجهات نظر شركة سند إحدى الشركات التابعة لصندوق الاستثمار الفلسطيني وبين بعض أصحاب الأراضي المقترح إقامة مصنع الإسمنت عليها في تلال وأراضي منطقة عنبتا وكفر رمان ورامين وبزاريا الواقعة جمعيها في محافظتي طولكرم ونابلس،والتي تتوفر فيها التربة الخام الضرورية لصناعة الإسمنت وكل المستلزمات والمتطلبات الفنية. ومن الأهمية بمكان التنويه بداية إلى حيوية النقاش وأهميته مما يعكس المشاركة المجتمعية الفعالة في تقديم المشورة وإبداء الرأي والملاحظات الهامة على كيفية اتخاذ قرارات الهامة المتعلقة بوضع الأساس المتين والصلب للانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي والتحرر التدريجي من الهيمنة والتبعية له.وقبل الخوض في التفاصيل لا بد من الاتفاق على ثلاث مبادئ رئيسة كمدخل للنقاش وكنقاط للانطلاق منها نحو الحل لأنه لا يمكن بقاء النقاش مفتوحا إلى اجل غير مسمى.فإذا كان النقاش ضروريا ومن شأنه فتح أفاق للتعاون المستقبلي فأن الوصول إلى نتائج وحسم الموضوع يعتبر واجبا وطنيا بامتياز.
المبدأ الأول: أن إقامة مصنع الأسمنت بات أكثر من ضرورة وطنية واقتصادية لفلسطين لا يمكن التخلي عنه أو حتى تأجيل تشييده وبناءه.وعليه فأن كل من يقف ضده فهو في الحقيقة يقف ضد الوطن فلسطين.
المبدأ الثاني:من حق أصحاب الأراضي أن يقدموا ملاحظاتهم ووجهات نظرهم سواء من حيث قيمة العادلة للتعويض ونظافة البيئة وضمان الصحة والسلامة والتأكد من عدم انتشار التلوث Pollution.
المبدأ الثالث: لقد حان الوقت لإنهاء التبعية والانفكاك من براثن الاحتلال والابتعاد عن الهيمنة الإسرائيلية ووقف استغلالها وتحكمها بالاقتصاد الفلسطيني كخطوة لا بد منها لتحقيق الاستقلال الوطني.
فالانطلاق من هذه المبادئ الثلاث لا بد أن يصل الفرقاء إلى حلول ،ومن لا يؤمن بهذه المبادئ الثلاث مجتمعة فهو كمن يريد أن يبقي الاقتصاد الفلسطيني أسير الاستغلال والاحتكار والتحكم الإسرائيلي بمستقبل الصناعة في فلسطين . فالاسمنت صناعة إستراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها، بل لقد تأخر هذا الموضوع كثيرا ولم يعد بالإمكان الانتظار أكثر من ذلك.من هنا وجب على شركة سند وأصحاب الأراضي الوصول إلى حلول ترضي أصحاب الأراضي وتحقق الاستقلال الفلسطيني في مجال صناعة الاسمنت. ولكي نفهم وندرك أهمية إقامة المصنع لا بد من تبيان بعض الحقائق الرقمية الموثقة. ففلسطين تستورد سنويا من المصانع الإسرائيلية بشكل أساسي نحو 350 مليون دولار سنويا، 10% من هذه المبلغ فقط يتم استيراده من
الأردن الشقيق، ووفقا للإحصائيات المتوفرة لدينا فأن الاحتياجات السنوية(الضفة الغربية والقطاع)تصل إلى نحو 2.5 مليون طن منها نحو 700 ألف طن للقطاع وحدة ،وإذا أخذنا بعين الاعتبار معدلات النمو السنوي وخاصة بعد البدء الفعلي بإعادة اعمار قطاع غزة فان الاحتياجات السنوية ستصل على الأقل إلى3 ملايين طن.ولا توجد دولة عاقلة تسعى نحو التحرر والانعتاق من براثن محتليها يمكن لها أن تستمر بالاستيراد من عدوها. لأنه ببساطة لا يمكن بقاء أو ربط أهم عنصر في المواد الإنشائية والعمرانية بيد المحتل الإسرائيلي. وهناك نقطة في غاية الخطورة لمستها القطاعات الإنشائية بوضوح عام 2013 حين حصل نقص ملموس في مادة الإسمنت بالأسواق الفلسطينية كان سببه تعطل إحدى خطوط الإنتاج في مصنع نيشر الإسرائيلي حيث خفض الكمية التي يصدرها للسوق الفلسطيني لتلبية الاحتياجات المحلية الإسرائيلية أولا.وهناك إحصائية أكثر خطورة تقول بأن الاستهلاك الحالي للأسمنت في إسرائيل يصل إلى 5.5 مليون طن العام الحالي سيرتفع إلى أكثر من 9 ملايين طن عام 2025 علما بأن أقصى طاقة إنتاجية للمصانع الإسرائيلية بعد عشر سنوات من ألان سيبلغ 8 ملايين طن مما يعني أن العجز في الطاقة الإنتاجية الإسرائيلية سيبلغ نحو مليون طن مما يلقي ظلالا كبيرة من الشك حول قدرة إسرائيل على تزويد السلطة الوطنية باحتياجاتها من الأسمنت بعد عشر سنوات لذا فمن الضروري إنهاء الإشكاليات القائمة حاليا والتي يتسبب بها بعض أصحاب المصالح على حساب الاستقلال الوطني وإقامة صناعة فلسطينية متحررة من الهيمنة الإسرائيلية. وهناك نقطة أخرى على جانب كبير من الأهمية يسكت عليها بعض المتصدرين لمعارضة إقامة المصنع وهو أن مساحة لا يستهان بها يقام عليها حاليا كسارات عاملة في المنطقة فلماذا لم نسمع آية احتجاجات من بعض أصحاب الأراضي على الغبار والتلوث الذي يصدر يوميا من هذه الكسارات؟؟.لا نريد أن نستبق الأحداث أو نقدم تحليلا أو توقعا مبكرا لخلفية الذين يعارضون إقامة المصنع ،سنتجنب الولوج فيها وتبيان خلفيات من يقف ورائها حاليا خدمة للحوار وللوصول إلى نتائج إيجابية تحق المبادئ الثلاث سالفة الذكر. نعم يحق أصحاب الأراضي طلب التعويض المناسب والعادل والتأكد من عدم وجود تلوث وسلامة الصحة والبيئة ولكن ليس من حقهم منع إقامة المصنع.وحتى لا أطيل في هذا الجانب فأنني سأورد أمثلة على المسافة التي تفصل بين مصانع الأسمنت وأقرب منطقة سكنية أو تجارية في بعض الدول التي أمكننا الحصول على معلومات دقيقة عنها.ففي مدينة هايدلبرغ (ألمانيا) يبعد المصنع المسافة صفر عن النهر و150 مترا عن أقرب مركز تجاري /سكني أما في مدينة باليرمو(إيطاليا) فالمسافة تصل إلى 100 متر وفي الرياض (السعودية) تصل إلى 150 مترا أما في مصانع نيشر في حيفا والرملة فتصل في الأولى 200 متر وفي الثانية تتراوح ما بين 300 إلى 900 متر فقط لا غير. أما بالنسبة إلى مصنع الاسمنت في فلسطين فأقرب مسافة تصل لنحو 800 متر، فلا نعتقد بأن الدول المشار إليها ليست حريصة على البيئة والتلوث. ولم أذكر هنا مصنع الاسمنت في الفحيص بالأردن الدولة الجارة لنا والذي لا يزيد عن 100 متر على اقرب تجمع سكني وتجاري.
الخلاصة
تشكل المبادئ الثلاث التي ذكرناه في بداية المقال المدخل الصحيح للوصول إلى اتفاق دائم بين شركة سند وبعض أصحاب الأراضي نظرا لكونها تعطي الجميع حقوقه وتفرض واجبات بذات الوقت.فلا يجوز لأحد أن يقف ويصرح للملأ بأنه يتوجب وقف العمل في المشروع حقنا للدماء!!! هذا كلام لا يجوز البتة ولا يصدر عن شخص فلسطيني يتمتع بدرجة عالية من المهنية والحرص على استقلال بلده ويرغب وينادي بضرورة فك العلاقة مع الاقتصاد الإسرائيلي. كاتب هذا المقال وغيره من الغيورين على اقتصاد فلسطين والبيئة الفلسطينية النظيفة على استعداد لأن يكونوا واسطة خير بين الطرفين، شركة سند بغرض بناء المصنع الحديث بكل المتطلبات والشروط والمعايير والمواصفات المهنية والعلمية ومنع التلوث ،وبين أصحاب الأراضي بما يحقق لهم التعويض العادل والبيئة النظيفة، وضمن حقهم بالتحقق من سلامة البيئة بما في ذلك الاستعانة بالخبراء والفنيين لتبديد مخاوفهم المتعلقة بالبيئة. لكن الذي لا شك فيه أبدا انه لا يحق لهم وقف بناء المصنع. لهم متطلبات وضمانات مكفولة وسنقف معهم لتلبيتها والاستجابة لها ،لكن بعكس ذلك لن يقف معهم احد في حال تمسكوا بآرائهم غير المسنودة بالحقائق.ومن حقي هنا أن اطرح سؤالا بسيطا ومباشرا ماذا لو قررت سلطات الاحتلال غدا مصادرة هذه الأراضي ؟ ماذا سيكون موقفهم ؟؟ بناء مصنع الاسمنت وفق المعايير والشروط الصحية الدولية المعروفة من شأنه إنعاش وتنشيط المنطقة كلها وليس القرى المشار إليها فحسب. وأخيرا يا أصحاب الأراضي تعالوا إلى كلمة سواء تحقق لكم ما تريدون ويظفر اقتصاد فلسطين بمصنع للأسمنت كخطوة في سبيل التحرر والانعتاق من الاقتصاد الإسرائيلي؟؟

انشر المقال على: