إذا قاومت إسرائيل دراسة إخفاقاتها، فإن حربا أخرى تنتظرنا!

جدعون ليفي – ترجمة غانية ملحيس

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

ما تزال الحرب مشتعلة، والبنادق تزأر، لكن إسرائيل بدأت بالفعل تغلف نفسها بطبقات من الوسائد لحماية نفسها من البحث الحقيقي عن الذات.

‎تم الآن استبدال الصدمة الأولية بحكايات لا حصر لها من البطولة والولادة الجديدة، إلى جانب قصص الكوارث المرعبة التي لا تطاق. بعد مرور شهر على بدء الحرب، لا تمر لحظة دون وجه باك على شاشة التلفزيون، ولا صفحة صحيفة دون قصة بطولية.

‎في صحيفة “يديعوت أحرونوت” المثيرة للبكاء، كل جندي يُقتل هو “بطل إسرائيلي” – جندي قام بعمل بطولي مذهل. كما تمت تغطية العروض المؤثرة والمثيرة للعمل التطوعي – أنظر كم نحن جميلون وكم نشعر بالرضا عن أنفسنا. وبجوارهم التقارير الواردة من الجبهة الداخلية، كلها– ولكن كلها– تبشر بنجاح كبير: النصر في الطريق.

‎كل هؤلاء لديهم بالطبع مكانة مشرفة. إن المجتمع المنكوب بالحزن والدولة في حالة حرب يتوقان ويحتاجان إلى كل ذلك. لكن عندما يسيطرون على الخطاب بالكامل، يشك المرء في أن الإدمان على حكايات البطولة يهدف أيضا إلى إخفاء الواقع وطمسه. بهدوء، نحن نغرق في مصيبتنا ونشعر بالدهشة وبالإعجاب بأنفسنا

‎لاحظ كيف أن الإخفاقات المذهلة التي حدثت في 7 أكتوبر تتلاشى ببطء في وعينا، ربما بشكل متعمد. أصبح الناس يتحدثون أقل فأقل عن المفاجأة للمخابرات الإسرائيلية، وعندما يفعلون ذلك، فإنهم يتجاهلون دور جهاز الأمن الشاباك الذي يعرف كل شيء، والقادر على كل شيء. إنهم بالكاد يتحدثون بعد الآن عن إخفاق جيش جبار ومجهز بالميزانية، وعن عجزه عن إنقاذ الكيبوتس الذي تم احتلاله لمدة 12 ساعة كاملة.

‎بضعة آلاف أخرى من القتلى الفلسطينيين في غزة، وسوف تتلاشى الكارثة أكثر فأكثر؛ الجيش الإسرائيلي ينتصر. إن تجربة الجيش التصحيحية، إذا كانت ناجحة مثل القصة التي يرويها لنا حتى الآن، يمكن أن تجعلنا ننسى هذا الفشل. من سيحاسب أبطال إسرائيل العظام الذين يقدمون لنا رأس يحيى السنوار على طبق من فضة، وربما يحرر الرهائن؟ سوف نسامحهم على أي شيء.

‎إن انشغالنا بالانغماس في الحزن والتربيت على ظهورنا يهدف إلى تغطية الثقوب السوداء، ليس فقط حول ما حدث، بل حول ما يحدث، وبشكل أساسي حول ما سيحدث.

‎الثقب الأسود الأول هو ما يحدث الآن في غزة: الإسهاب الذي لا نهاية له في وسائل الإعلام الإسرائيلية يكاد يتجاهل حمام الدم المروع. ولا كلمة واحدة عن كارثة غزة. لا يعني ذلك أنه مبرر أو غير مبرر، فهو ببساطة غير موجود. التجاهل متعمد. لا توجد تقارير. لا توجد صور. بالكاد حتى بالهمس. ولا يوجد أي ذكر للصباح التالي. ركام من الكلمات، ولم يقل أحد بعد ماذا سيحدث بعد النصر الكبير.

‎إننا جميعا نريد أن نسمع المزيد والمزيد من حكايات البطولة – قصص حقيقية، حقيقية بالتأكيد – وأن نتقاسم مع الجميع الكارثة المروعة للعديد من الإسرائيليين القتلى، والمخطوفين، والثكالى، والأيتام والجرحى، والمشلولين والذين سيحملون ندوبا مستدامة

‎لا يوجد إسرائيلي لا يريد كل المعلومات عن الرهائن وعائلاتهم، عن القتلى والثكالى والمفقودين. لكن الحداد والبطولة لا يمكنهما أن يهيمنا بشكل كامل على الخطاب العام لمدة شهر أو أكثر، ولا يفسحان المجال لأية أمور أخرى.

‎وإلى جانب البطولة والنهضة، يتعين علينا أيضا أن نتعامل مع الكارثة، وأولئك الذين يتحملون المسؤولية عنها، الآن، قبل أن تتراجع شدتها بسبب انتصار عسكري، حقيقي أو وهمي. ولا يجوز لنا أن نتردد في إخبار الإسرائيليين بما يجري الآن باسمهم في غزة.

‎الأبطال الإسرائيليون يقتلون عشرات الآلاف من الناس هناك بالجملة. لا بأس في تبرير ذلك، يمكن للمرء أن يقول أنه لا يوجد خيار، أو حتى أن يكون سعيدا، مدفوعا بالتعطش للدماء ومشاعر الانتقام. لكن لا يمكن إخفاؤها، ليس فقط لأن العالم كله يتعامل مع ذلك فحسب، بل لأنه من الواجب الأخلاقي أن ننظر إلى الواقع مباشرة في أعيننا.

‎بعد مرور شهر على بداية الحرب، لا تنظر إسرائيل إلى الواقع مباشرة. وبالتالي فإن فرصة البحث الحقيقي عن الذات بعد الحرب تتضاءل. ربما سيتعين علينا أن نلتقي مرة أخرى في الحرب القادمة.
المصدر: هارتس
‎2023-‎11-‎13