الخميس 09-05-2024

أسير يزرع طفلا رغم السجن والمؤبد

×

رسالة الخطأ

عبد الناصر فروانة

أسير يزرع طفلا رغم السجن والمؤبد
.بقلم - عبد الناصر فروانة - أسير سابق، وباحث مختص في شؤون الأسرى
فكرة إنجاب أطفال عبر' الخلوة الزوجية' أو 'التلقيح الصناعي'، هي فكرة تراود العديد من الأسرى لا سيما ممن يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد، وقد نُوقشت تلك الفكرة فيما بينهم بشكل صامت وفي اطار ضيق منذ أكثر من عشرين عاماً، ولاقت قبولا لدى بعض الزوجات.
وخلال السنوات الماضية تجرأ عدد من الأسرى من تحويل الفكرة الى واقع، وتمكنوا من تهريب 'نطف منوية' لخارج السجون'، وبالرغم من محدوديتها وعدم نجاحها، إلا أنها عكست ما يدور في وجدان الأسرى وزوجاتهم من رغبة جامحة في تحدي السجان وتحقيق حلم الإنجاب..
وفي الوقت الذي لا يمانع فيه الأسرى فكرة 'الإخصاب الصناعي' ويبدي البعض استعدادا لتنفيذ الفكرة، بل وحاول البعض ترجمتها من خلال إخراج' النطف المنوي' أو تهريبه، فأنهم يرفضون فكرة' الخلوة الزوجية' أو على الأقل غير متحمسين لها.
وفي السادس من يوليو / تموز قبل ثلاث سنوات، عُرض في قاعة الهلال الأحمر بمدينة غزة فيلم حمل اسم' انتزاع' وأثار فكرة تهريب' النطف المنوية' من أسير فلسطيني متزوج يقضي حكماً بالسجن المؤبد، بهدف الإنجاب وتكوين أسرة رغم الفراق القسري، وأحدث الفيلم جدلاً واسعاً، وخلق حراكاً علنياً في الكتابة والنقاش، وحظي باهتمام وسائل الإعلام المختلفة، وأفرز آراءً متعددة ما بين مؤيد ومعارض.
وحينها أعربت شخصيا وفي بيان صحفي عن إعجابي بفكرة الفيلم، وجرأة المخرج في تناول قضية إنسانية تعكس المعاناة الصامتة للأسرى وزوجاتهم، بل ودافعت في أكثر من مناسبة عن حق الأسرى بالإنجاب.
'عمار عبد الرحمن حماد الزبن' واحد من الأسرى الفلسطينيين الذين آمنوا بالفكرة وأصر على ترجمتها، متحدياً مرارة السجن والفراق القسري، وسار على خطى من سبقوه من زملائه ممن تجرأوا وحاولوا إجراء عمليات الإخصاب الصناعي من خلال تهريب' النطف المنوي'.
ولم تحبطه فشل محاولاتهم السابقة، ولن تصادر حلمه تجاربهم المريرة، ولم يلتفت إلى الآراء المعارضة أيا كان مصدرها وأصحابها.
ولم يفكر قط بما يمكن أن يصاحب العملية من انتقادات اجتماعية وعائلية، أو ما يمكن أن تتخذه إدارة السجون من إجراءات عقابية وانتقامية بحقه، وإنما تسلح بإرادة المتفاءل وعزيمة المناضل، وأصر على أن يزرع طفلا رغم أنف السجان، وأن ينتزع حقا مشروعا أجازه الشرع الإسلامي.
وتحدى الظروف القهرية في سجن هداريم الإسرائيلي بعزيمة لا تلين، وتغلب على كل المعيقات الموضوعية والقوانين التعسفية بإرادة قوية، وسجل سابقة هي الأولى في تاريخ الحركة الأسيرة، ليسطر انتصارا جديدا يضاف لإنتصارات الحركة الأسيرة.
سابقة هي الأولى، لكنها ليست المرة الأولى التي يُقْدِم فيها أسير على تهريب 'نطفة منوية' من أجل الإنجاب عبر التلقيح الصناعي، وإنما هي المرة الأولى التي تتكلل بالنجاح ويتم الحمل، لتضع زوجته (دلال) مولودها اليوم في المستشفى العربي بنابلس بعد حمل استمر كالعادة لمدة تسعة أشهر، ليتحقق حلم الأسير' عمار 'ويرزق بمولود اسماه' مهند'.
'عمار' زرع طفلاً في ظلام السجن وبطريقته الخاصة والشرعية، ليبصر 'مهند' النور خارج السجن بين أهله وأسرته، ليشكل عنوانا لمعركة علنية خاض غمارها نيابة عن كافة الأسرى من أجل انتزاع حقهم المشروع بالإنجاب.
وليحتفل بطريقته الخاصة مع إخوانه الأسرى بين جدران غرف السجن الإسرائيلي، بنجاح تجربته وتحقيق الانتصار رغم السجن وحكم المؤبد.
'عمار الزبن' أسير فلسطيني يبلغ من العمر ثمانية وثلاثين عاماً وتقطن عائلته مدينة نابلس، وكان قد اعتقل للمرة الثالثة في الحادي عشر من كانون ثاني / يناير عام 1998 بتهمة الانتماء لـ' كتائب القسام' والمشاركة في سلسلة عمليات فدائية ضد الاحتلال وجنوده ومستوطنيه، ويقضي حكماً بالسجن الفعلي لمدة 26 مؤبدا و25 سنة، أي ( 2599 ) سنة.
وهو متزوج من امرأة فاضلة اسمها ( دلال ربايعة ) من بلدته ميثلون قضاء جنين، وله ابنتان' بشائر' وكانت في عامها الثاني حين اعتقاله، و' بيسان' والتي ولدت بعد اعتقال والدها.
و' عمار' هو ابن لشهيدة اسمها' عائشة' سئمت الإعتصامات أمام مقرات الصليب الأحمر، وملت من المسيرات، ولم تعد ترغب في سماع بيانات الشجب والإستنكار، ومضت في طريقها الى أن حلقت روحها الى جوار ابنها الشهيد' بشار' بتاريخ 29-8-2004 خلال إضرابها عن الطعام تضامنا مع الأسرى في إضرابهم الجماعي عام 2004، فكانت أولى ضحايا الإضراب.
فيما والده' عبد الرحمن' توفى هو الآخر في 29 نوفمبر عام 2009 وبذلك يكون عمار قد فقد والديه خلال الاعتقال، وانضم إلى قافلة الأسرى المكلومين من أمثاله.
' مهند' عنوان المرحلة القادمة..
ويبقى' عمار' باصراره وعنفوانه يتحدى السجان، ويبقى الإنجاب' حلم يراود الأسرى وزوجاتهم، وسيبقى' مهند' طفل السجون عنوان المرحلة القادمة.
مرحلة يجب أن يُفتح فيها موضوع' حق الأسرى بالإنجاب' وأن يُثار بين أوساط الأسرى وزوجاتهم، ومن قبل رجال الدين والجهات المختصة، ويجب العمل على دعمها وتطويرها والسعي لانتشارها وتوفير حماية وحاضنة اجتماعية لها.
والسعي لإثارة الفكرة ونقاشها علانية لخلق ثقافة ايجابية ومؤثرة في أوساط المجتمع الفلسطيني بشكل عام والحركة الأسيرة بشكل خاص تدفع باتجاه تثبيت هذا الحق وضرورة النضال من أجل انتزاعه.
حق أجازه الشرع الإسلامي..
فـ'الإنجاب' عبر 'التلقيح الصناعي'، حق أجازه الشرع الإسلامي وفق ما بات يُعرف' بزراعة الأنابيب' للأزواج، ولكن وفقاً لشروط وإجراءات تتطابق مع الشريعة الإسلامية مثل توفر شهود من أهل الزوج والزوجة يؤكدون أن هذه 'النطف' من الزوج لإثبات شرعية 'التلقيح' وقطع دابر الشائعات، وأن العيادات المتخصصة بذلك منتشرة في فلسطين والوطن العربي.
والأسرى هم جزء من النسيج الاجتماعي، و من حقهم 'الإنجاب' عبر التلقيح الصناعي 'اذا توفرت الإجراءات والشروط المتطابقة مع الشريعة الإسلامية، مع ضرورة ايجاد حاضنة اجتماعية ووطنية وسياسية ودينية لدعم هذا الحق والتأكيد على اجازته وحماية زوجات الأسرى من التلسن والإساءة، وسن قوانين وآليات لتنظيم العملية.
فهنيئاً للحركة الوطنية الأسيرة على هذا الإنجاز العظيم والانتصار الباسل، وهنيئا للأسير 'عمار الزبن' الذي تحدى السجن وحكم المؤبد وحقق ما كان يوصف بالمعجزة وأنجب طفلا زرعه في السجن.

انشر المقال على: