الثلاثاء 30-04-2024

أرشيف الأمل: التاريخ الشفوي في أوقات التغيير

×

رسالة الخطأ

د. فيحاء عبد الهادي

أرشيف الأمل: التاريخ الشفوي في أوقات التغيير د. فيحاء عبد الهادي 20 أيلول 2015 في احتفال نوعي بمناسبة مرور عشرين عاماً على تشكيل مؤسسة المرأة والذاكرة، وعملها في إنتاج معرفة بديلة من وجهة نظر النساء، وبتاريخ: 13-16 أيلول 2015؛ نظمت المؤسسة بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة مؤتمراً بعنوان: «التاريخ الشفوي في أوقات التغيير: الجندر والتوثيق وصناعة الأرشيف». أطلقت «المرأة والذاكرة» أواخر التسعينيات مشروعاً طموحاً لبناء أرشيف تاريخ شفوي للنساء، «يساعد في سد الفجوة المعرفية عن أدوار النساء، ومساهماتهن في صنع التاريخ والحضارة، ويساهم في إنتاج وبناء مصادر تاريخية لكتابة التاريخ الاجتماعي والسياسي، ويعضد من شأن مساعي النساء لبناء مجتمعات عادلة ومتوازنة للجميع دون تمييز». وانطلق مشروع آخر في بناء الأرشيف عام 2012؛ لتوثيق المساهمة الواسعة للنساء في أحداث ثورة يناير 2011؛ للحفاظ على رواياتهن، وحمايتها من النسيان أو التهميش أو التقزيم. ويأتي الاسم الذي أطلقته المؤسسة على أرشيفها: أرشيف الأمل؛ ليناسب أهدافها في العمل لأجل مستقبل أفضل، يساهم في دعم النساء، وفي فعل التغيير الاجتماعي في آن. ***** تجلت أهمية المؤتمر (الذي شارك فيه عدد كبير من الباحثات والباحثين في مجال التاريخ الشفوي من خمس عشرة دولة عربية وغربية)؛ في إثارة أسئلة بحثية شغلت وما زالت تشغل العاملين والعاملات في مجال التوثيق استناداً إلى منهج التاريخ الشفوي بشكل عام، ومنهج التاريخ الشفوي من منظور نسوي بشكل خاص. من يكتب التاريخ؟ ومن يستطيع كتابة تاريخ المهمشين في الرواية التاريخية؟ وهل لأرشيف النساء خصوصية ما؟ وما هي مكوِّنات هذه الخصوصية إن وجدت؟ هل لمناهج البحث البديلة أن تغيِّر علاقتنا بالتاريخ ومفهومنا عن موقعنا فيه؟ ما الذي نتوقعه من كتابات التاريخ غير الرسمي، وإلى أي مدى يمكن أن يؤدي بنا إلى فهم أكثر وضوحاً ودقة لماضينا؟ ما هي المشكلات التي تنجم من تحويِل الإرث الشفوي إلى نصوص مكتوبة أو مرئية؟ هل يعني ذلك تقليصه؟ إخراجه من فضاء إلى فضاء آخر؟ كيف يمكننا استرداد شكل من أشكال المعرفة من الذاكرة الجماعية أو الذكريات الفردية كي ترشدنا أثناء حل النزاعات؟ وهل معرفة السكان الأصليين أكثر قيمة من المعرفة المقدمة من الخارج مغلفة بادِّعاءات الحيادية؟ وإذا كان التاريخ الشفوي لا يتعلق بما يذكره الرواة فقط؛ بل بما يصمتون عنه، فكيف يمكن تناول المسكوت عنه؟ يتذكر الرواة ما يتذكرون، هل يعبِّر ما يتذكرون وما يصمتون عنه عن موقف أيديولوجي؟ أو هوية ما؟ ***** تناول العديد من الأوراق أهمية التوثيق من خلال منهج التاريخ الشفوي، الذي يشكل منهج بحث ديمقراطي، يسعى إلى استنطاق المسكوت عنه، وتوثيق أصوات من لا صوت لهم/ن؛ ما يساهم في فهم أعمق للتاريخ، وتناول التحديات والمشكلات التي تواجه هذا الحقل المعرفي. كما جرى الحديث عن أرشيف النساء، «الذي يحكي الرواية التاريخية مع الأخذ في الاعتبار عنصر النوع كأداة تحليلية، أي أنه يشمل وجهة نظر النساء وحيواتهن، ومن ثم فهو يتضمن مادة ووثائق عن النساء كما الرجال. يربط بين العام والخاص، ويبرز علاقات القوة وديناميكيات السلطة وأثرها على ماهية الاجتماعي والسياسي والثقافي في نطاق وسياق تاريخي محدد». ومن خلال الحديث عن تجربة التوثيق مع النساء في العراق، وفلسطين، والسودان، وسورية، واليمن؛ يتبيَّن الحفاظ على الذاكرة كشكل أساسي من أشكال المقاومة. «إن استعادة المعرفة هي شكل من أشكال المقاومة السياسية ضد من يحاولون التحكم في المعرفة، ومن يعتبرون ملاّكاً للمعرفة». ***** تبادلت المشاركات والمشاركون، التجارب الغنية والمتعددة في حقل التاريخ الشفوي، وتمَّ التركيز على التوثيق في أوقات التغيير والأزمات، انسجاماً مع عنوان المؤتمر الرئيس. تمَّ تسليط الضوء على التحديات التي يطرحها التوثيق لروايات النساء المصريات، والعراقيات، والسودانيات، والسوريات، والفلسطينيات، واللبنانيات، واليمنيات، والتونسيات، والسعوديات، والنساء في دولة الإمارات، وفي البحرين، وتطرَّق بعض الأوراق إلى استفادة الفنون المختلفة من التاريخ الشفوي، مثل المسرح والسينما والأدب والموسيقى. كما تمَّ استعراض مشاريع بعض المؤسسات في مجال التوثيق، في فترات التغيير الاجتماعي، مثل مشروع «الجامعة في الميدان: توثيق ثورة مصر في القرن الواحد والعشرين»، الذي أطلقته الجامعة الأميركية في القاهرة، بهدف الحفاظ على سجل 18 يوماً من أيام الثورة في ميدان التحرير، ونتائجها، مثل: الصور الرقمية، والتسجيلات المرئية (تم أخذ معظمها بواسطة الهاتف المحمول)، إلى جانب أشياء زائلة مثل: اللافتات، والمنشورات السياسية، وصفائح الغاز المسيل للدموع، وغيرها، واتَّسم المشروع بالتغير الدائم مع التغيرات التي شهدتها مصر منذ الثورة. وبعد أن ركَّز المشروع على مقابلة أفراد ينتمون إلى الجامعة من طلاب وخريجين وأساتذة وإداريين؛ خرج عن محيط الجامعة ليضم آخرين شهدوا الأحداث، أو شاركوا بها. كما تعرَّف المشاركون على ورشات عمل التاريخ في مصر (إحكي يا تاريخ)؛ التي «هدفت إلى استرداد التاريخ الثوري الذي تم حجبه من قبل السرديات القومية والعسكرية التي غمرت الوعي التاريخي والكتب التاريخية السائدة؛ حيث تمَّت إقامة ورشات عمل في مناطق هُمِّشت في كتابة تاريخ مصر. والهدف الثاني للورشات هو الإجابة عن تساؤل كيفية إعادة إنتاج الراويات التي تَّم استردادها، وتحولت هذه الورشات إلى محاولة لخلق وعي نقدي حول كيفية كتابة وقراءة التاريخ من خلال البحث في مصادر رئيسة مثل الأرشيفات والشهادات الشفاهية والجرائد والروايات والإنترنت والمواقع الأثرية، وبعدها يتمّ تشجيع المشاركين على اختيار موضوع البحث والقيام بعمل مقابلات شفاهية مع أفراد من المجتمعات المحلية». وأفرد المؤتمر مساحة للحديث عن الفضاءات الجديدة للتوثيق التي صاحبت تكنولوجيا المعلومات، منذ بداية الاستعانة بأجهزة التسجيل الرقمي الصوتية، ثم المرئية، ومواقع التواصل الاجتماعي، ووقفت لدى أهمية الاستفادة من التقنيات الحديثة، مع الوعي للسلبيات التي يمكن أن تنتج عن استخدامها. ***** ساهمت أوراق المؤتمر في تقديم بعض الإجابات على جزء من الأسئلة البحثية، وطرحت الأوراق تساؤلات كانت جديرة بالنقاش خلال المؤتمر، وتبقى جديرة بالنقاش بعده، من كافة المهتمات والمهتمين بتوثيق الذاكرة الفردية والجماعية، وتوثيق أصوات النساء.

انشر المقال على: