الجمعة 03-05-2024

أبو يعقوب نهاوند من كتاب موسترادموس يتنبأ بالدولة الفلسطينية

×

رسالة الخطأ

الكاتب اسماعيل رمضان

أبو يعقوب نهاوند
من كتاب موسترادموس يتنبأ بالدولة الفلسطينية
الكاتب اسماعيل رمضان

اعتمر قُبعة على رأسه المستدير والبعض قال: (إنّها برنيطة)، وآخرون رفضوها؛ لأنهم يرتاحون أكثر أن تكون طاقية، لكن أبو يعقوب لم يكن فيه من الوجد أن يُحدد ما هو غطاء الرأس وما تحته، فحركة الرؤوس تتغير هي وغطاؤها، فيوجد كوفية ويوجد حَطّة وقبعة وبرنيطة وطاقية، أو حتى التي يلبسها المتدينون اليهود، وهي عبارة عن غطاء مأخوذ من نصف حمالة صدر مستعملة تشبك بدبوس لا يخز رأس المتدين اليهودي.
وما أهمية غطاء الرأس بالنسبة لأبي يعقوب الذي تجره ساقاه الكسولتان إلى حيث لا يدري، فكل شوارع رام الله أوّلها يؤدي إلى آخرها، وأثناء المسير تعود إلى المكان الذي منه انطلقت تدور وتدور وتعود إلى نفس المكان، سواء كان ظهرك أو رأسك مكشوفًا أو مغطى فهو يتحرك في رام الله وهي دولة سقفها محدود رغم أنها أحيانا تتسع لموكب.
كانت دار رام الله تدور بأبي يعقوب كما أغنية لفيروز أو كأس من مَشروب رديء يتعود فيه الصداع على رأسك، ولا يعود يتذمر من سوء هذا الرأس والبرنيطة التي تغطيه، حتى الاثنتين اللّتين كان لهما حِسٌّ موسيقيٌّ فهو من جماعة الرست دو، وهو رست موسيقى يسمى نهاوند نسبة إلى مدينة ليست عربية، رغم أن الشرق غني بالعرب ولكن معظم من أنجز فيه من أمور العلم والفلسفة والدين والموسيقى تبين أنهم من أصول غير عربية. أما سر إعجاب أبو يعقوب بهذا الرست أنه نغمة تصلح للفرح والحزن ترتفع أو تنخفض، وأحياناً عند العامة غير المختصين لا تعود تميز هذه النغمة هل هي فرح أم حزن، فلقد اختلطت الأمُور وتشوشت والمسافة بين الأشياء ونقيضها ذابت، كما الفرق بين الحياة والموت كأنهما شيء واحد، وكما الفرق بين الخيانة أو الوفاء أو بين الجبن أو الشجاعة.
حتى أنك من كثرة الاختلاط لا تستطيع التمييز بين أبي سمير الرئيس وبين أبي الوليد سعد صايل فكلاهما مناضلان، أبو سمير أخذ هذا اللقب بسبب حبه للسّمر، وحبه أن يغادر مكان عمله مبكراً، فأم سمير تكون بالانتظار، وكل شيء بيهون بما فيه الوطن ولا يهون أن تكسر بخاطر النساء خاصة عندما تكون طبخة الملوخية بأرانب من مصر تأكيد على الشراكة بين البلدان العربية، وفي مدينه الخليل التي لا
تُحب ابنه سمير نكاية وعن حسد تطلق عليه اسم (أبو الطبايخ)، ورغم كل هذه الموسيقى وهذه المأكولات لم يحصل مقام النهاوند الفارسي على جنسية فلسطينية، كما حصل مع الفنانة أحلام والفنان هاني شاكر. تحرك القيظ ولامس جبين أبي العبد نهاوند الضخم بجثته وبطنه العريض وكتفيه المدنية بلا رتب، والتصق مع حبات العرق على جبينه وجفونه، وحرك يديه تاركاً مقص الأظافر ومسح القيظ عن وجهه بفوطة امرأة مستعملة ورماها جانباً، والتفت إلى امرأة تكاد أن تكون أنيقة رغم سنوات عمرها التي لا تحصى ولا تعد قائلاً وهو يهز رأسه لينفض حبَّة عرق رفضت السقوط عن أرنبة أنفه، نظرت إليه المرأة ضاحكة بعد أن قال لها: مرحباً يا حجة، وما زال ينفُض رأسه كأنما أصابته رعشة كهربائية ضعيفة الفولت تدغدغ ولا تقتل.
أجابت المرأة أنا لست حَجّة أنا مدام أبيع التذاكر لحفل محمد عساف في مدينة روابي.
ولكنك كنت في مرور سابق لي حجة تبيعي أوراق العنب والبقدونس والفجل.
نعم كنت هنا من قبل، وكنت أفترش الرصيف أبيع الخضروات لأتكفل واُساهم في تعليم أبنائي الخمسة.
وماذا تفعلين الآن؟ وماذا تَغير كي تلبسي الفستان بدل الثوب الفلسطيني المُطرَّز وتبيعي التذاكر؟
لم يحصل الشيء الكثير سابقاً، كانت لي أرض، وكنا نقاوم الاحتلال ونمنعه من دخول رام الله وكنت أبيع منتوج الأرض والجهد على الرصيف فهو للفلاحين الفقراء مثلي.
قال أبو عبد نهاوند بعد أن التقط مقص أظافره عن الأرض، ومسح نقطه عرق أخرى عن منخاريه اللّذين اتّسعا فجأة وأصبحا مليئين بالمخاط، وقال: هذا طَقس مُريع ولا يُوجد له مثيل في مُخيم النصيرات، قال وهو يَشّتَم رائحة النقود في
المكان. لكنْ، لماذا لا تستمرين في بيع أوراق العنب على الرصِيف.
أجابت المدام: بعد الدولة المؤقتة ذات الحدود المؤقتة ومصادرة باقي الأراضي لبناء مَستوطنات لم يَتبقَّ لنا أرض نزرعها، والباقي اقتسمها الجدار والشوارع الالتفافية، لذلك أبيع التذاكر للحفل الموسيقي كما ترى.
هزَّ رأسه وقال: العرب من بلاد أخرى بعيدة يزرعون الجوافة في مستوطنة نتساريم المحررة التي لا تضاهيها سوى جوافة المواصي، ولماذا لا تَجلسين؟ أنت واقفة كل الوقت.
أجابت بعد الدولة والحداثة وشراء الديمقراطية من المولات الغربية الضخمة، وتوزيعها على الشعب مجاناً في عبوات اقتراع مختومة بحبر أسود، وانتخاب مجالس بلدية، تم منع افتراش الرصيف وإنشاء البسطات فهي تضر بأصحاب المتاجر الذين يساهمون في المشروع الوطني المؤقت بدفع الضرائب، إضافة أنه يضر بالمظهر الحضاري وجَمال المدينة، التي ربما تضج بالسياح والأجانب في يوم ما ولا يكونون مرتبطين بأجهزة أمن أجنبية أو صهاينة متنكرين في لباس عربي، ويشترون بوظة ركب ويشربون العِرق سوس، ويأكلون الفلافل التي بتنا مختلفين على هويتها، هل هي عربية أو صهيونية؟ فكل شيء له أكثر من اسم ووجه، وما عدنا نعرف ما لنا وما علينا، هل يعملون ذلك لإخفاء هويتهم
الأصلية.
أبو العبد نهاوند بلع ريقه وهو يتذكر أنهم في بلده الذي خَلف الحدود رغم أنهم ناطقون بالعربية، إلا أن بلادهم كلها عثمانية يأخذون ضريبة على الماء والكهرباء، والأفكار الضارة التي لا يباركها ابن عبد الوهاب غَير المَغني وربما ضريبة على النفس والهواء، وقال متسائلاً: ألا يأخذون ضرائب على بيع التذاكر يا حجة؟
ذَكَرتَك ألا تناديني بحجة فمفردات الزمن القديم والعودة إليها أصبحت أجندة خارجية، تكلم وقل: يا مدام بلاش ضَمِيري يؤَنبني ويزعل منك فأنا الآن مَدام وأضعُ المساحيق وأنال من بيع التذاكر ما يكفيني ويزيد ويسمح لي أن أركب الحافلة دون أن أسير حافية القَدمين، نعم، عَلَيَّ أن أبقى واقفة، وممنوع الجلوس، ونعم يجب أن ألوك اللبان، وأتحدث بَنغَمة مُنخفضة فنحن باعة من بلد حديث، حديث جداً، ومن حداثته لا يوجد له تاريخ ميلاد ولكن إياك أن تظن أنه (بندوق) هو فقط لم يَتم تسجيل ميلاده بعد لانشغال الهيئات الدَّولية التي تصدر شِهادات مِيلاد بحجج واهية، مثل عدم وجود حِبر، نَفاد الورق أو انقطاع الكهرباء أو عَطل فني طارئ أو سَحب وَعد من خسيس... الخ من ذرائع أصحاب النفوذ والنقود.
آه قال نهاوند، شيء جميل ويُبشر بالخَير، ولكن أين أبناؤك الخَمسة الذين تعلموا وتخرجوا ألا يُساعدُونك؟
قالت وهي تَبصُق علكة على الأرض كي تلتصق في قدم مسؤول يتفقد أحوال البلدية: ليس كل أولاد المدامات يحصلون على وظيفة، فهم عاطلون عن العمل، ولكنهم بين الحين والآخر يحصُلون على هِبات أو نَفحات أو بدل خدمات، فهم الآن كما كثير من الشعب توجهوا إلى روابي التي فيها مهرجان غنائي كبير للاحتفال بالوطنية والوطن، وكل من يصفق (يسحج) يحصُل على نفحة ومرح، الله يبارك في البلد وأولاده ويزيد من المهرجانات والاحتفال، فكل احتفال يُزيل ضائقة واحتقان ويحصُل أبناء الشعب على نفحات، فالجمهور الآن يتقن التصفيق وعندما لا يجد من يصفق له يصفق لنفسه أو وحده، ونحن كما عائلات كثيرة نمارس التصفيق بعد أن تركنا من بين أيدينا وقبضتنا السلاح والكتاب ما عادت تنفع لشيء سوى التصفيق والعبث بالهاتف، فالسلطات تهتم بالقيل والقال وتوزع بطاقات مجانية لتتلقى أخبار الناس وتكون على دراية بِأحوالهم ومعرفة إذا كان لديهم خبز يَكفي للعشاء.

انشر المقال على: