مَسرح "الحكواتي" يُناديكم.. فهل من يَشُد على يده ؟!
يُفتح السِتار, تُسلط الأضواء, تُحدق الأبصار, تتعالى الضَحكات, تَنزل الدموع, لربما تتعالى الضحكات مجدداً, ثم يُغلق الستار, هذه الصورة القصيرة لا تحدث بحضرة فنجان قهوة في المقهى, ولا تَحدث في روايات الحُب والحَرب, لكن "أَعطِني مسرحاً أُعطيك شعباً عظيماً".
المسرح الوطني الفلسطيني "الحكواتي" هو أحد أهم وأقدم المراكز الوطنية الشعبية الفلسطينية الصامدة في مدينة القدس, ولكنه اليوم يُهدد بالإغلاق ومصادرة كافة محتوياته.. والفاعل "الاحتلال".
"أنقذوا مسرح الحكواتي بالقدس من الإغلاق", بهذه الكلمات بدأ الفنان عامر خليل مدير مسرح الحكواتي خلال حديثه لبوابة الهدف, مضيفاً: " مسرح الحكواتي يعاني من أزمة مالية بسبب تضييق الخناق على المؤسسات الفلسطينية في القدس، كما أن شُح التمويل للمسرح الفلسطيني أدى لعجز مالي مما زاد الضرائب على الموظفين والمباني, حتى شركة التأمين أصبحت تريد مبالغ كبيرة ومضاعفة لعدم الالتزام بالدفع".
ويضيف مدير الحكواتي: توجهت شركة التأمين لرفع قضية في المحكمة لتصدر الأخيرة أوامرها بالحجز على المسرح وكافة معداته, حتى تسديد المبالغ المالية المقدرة بـ 180 ألف شيكل, مع إعطائنا مدة أسبوعين للدفع, وخلال الأسبوعين توجهنا للعديد من المؤسسات الثقافية للمساعدة في توفير المبلغ, لكن بلا جدوى.
في صباح يوم الخميس 26-11-2015 أبلغت "دائرة الإجراء الإسرائيلية" مدير المسرح ان الفرصة الأخيرة لتوفير المبلغ المالي هي 48 ساعة والا سينفذ قرار الحجز على المسرح ومحتوياته.
وفي ختام حديثه شكر مدير الحكواتي الفنانين الفلسطينيين في الضفة والقدس ومناطق الـ48 وقطاع غزة على كافة مجهوداتهم وتضامنهم مع المسرح, فمنهم من قام بعروض مسرحية وفنية ليعود ريعها لمسرح الحكواتي وإنقاذه من خطر الإغلاق.
"الحكواتي" الذي افتتح رسمياً في مدينة القدس في 9 أيار 1984، هو أول مسرح فلسطيني ومركز ثقافي متخصص، يهتم بأن يكون منبراً للقاء والنشاط الثقافي والفني لتطوير استراتيجيات وأنشطة ترتقي بالعمل الفني والمسرحي الملتزم على المستوى الوطني.
الفنان المسرحي د. يسري مغاري يقول لبوابة الهدف: "اعتليت خشبة مسرح الحكواتي قبل 25 عاماً وعشت بين أزقته أنا وفنانين من القدس والضفة وغزة, وأنجزنا أعمال كثيرة منها مسرحية "عرس عروة" عام 1991م في مهرجان القدس للمسرح".
ويستدرك مغاري: "اليوم مسرح الحكواتي ينزف دماً, انقذوه قبل فوات الأوان, وأنا كفنان فلسطيني أستنكر الإجراءات القمعية بحق مسرح الحكواتي الذي يعتبر منبر ثقافي عظيم".
ويضيف: "عانى مسرح الحكواتي من اجراءات تعسفية من الاحتلال ومستوطنيه, وقد تم اغلاق المسرح مرات عديدة بذرائع مختلفة، الا ان عزيمة القائمين عليه من فنانين ومثقفين حافظت على هذا المنبر الى ان اصبح احد معالم مدينة القدس".
ويكمل الفنان مغاري: "ندعوا كافة المؤسسات المحلية والدولية والعربية والاسلامية للحفاظ على عمود من اعمدة التراث الثقافي الفلسطيني, مع العلم انه لا يبعد أمتار عن المسجد الأقصى, المسرح الوطني الفلسطيني منارة ومعلم من معالم القدس, فهل سارع الكل الفلسطيني العام والخاص لإنقاذه من الإغلاق والضياع, فعلى وزارة الثقافة والرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله, انقاذ المسرح الوطني الفلسطيني.
بكينا كثيراً وضحكنا أكثر، تعود الفنانة الفلسطينية ريم تلحمي بذاكرتها لعام 1991م وعن تجربتها الأولى على خشبة مسرح الحكواتي تقول: "أجمل ذكرياتي كانت في مسرح الحكواتي فهو بيتي الثاني."القميص المسروق" لغسان كنفاني كانت تجربتي الأولى في المسرح, تلتها أعمال مهمة جدا منها "جدارية" لمحمود درويش،"عقد هيلين" للكندية كارول فريشيت، "كلهم أبنائي" للأمريكي أرثور ميللر، "على خطى هاملت" لويليام شكسبير وكان آخرها "نص كيس رصاص" لكامل الباشا.
"كان اهتمام الفنانين بالمسرح كبير جدا في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي, وقد تم العمل على إصلاح مسرح النزهة الذي كان حينها دارا للسينما من قبل فنانين مهتمين أمثال فرانسوا أبوسالم, راضي شحادة، منيرة شحادة، إدوار معلّم، جاكي لوبيك، ابراهيم خلايلة، عدنان طرابشة، عماد متولي، داهود كتّاب، وعدد كبير من المتطوعين من الفنانين الذين انضموا فيما بعد،عامر خليل, ايمان عون، وغير الفنانين، ليخدم جميع الفنانين والفرق المسرحية الفلسطينية آنذاك وعلى رأسهم فرقة الحكواتي".
وتكمل "تم العمل على ترميم المكان عام 1983 حتى انتهاءه عام 1984 لحظة افتتاح المسرح, لكن هذا الاهتمام زادت وتيرته مع الوقت بانضمام فرق مسرحية أخرى للعمل في المسرح والعرض فيه, ولطالما عانى المسرح من أزمات عديدة بفعل الإجراءات التعسفية من قبل الإحتلال ومستوطنيه, وقلة التمويل وغياب الدعم الثابت للمسرح.
وتضيف تلحمي: "هذه الأزمة ليست الأولى التي تعصف بمسرح الحكواتي، فالمؤسسات "الإسرائيلية" تتعمد تضييق الخناق على المؤسسات الفلسطينية الثقافية والأعمال الفنية في مدينة القدس، والمسرح يحتاج لمبلغ مالي يقدر بـ 50 ألف شيكل شهرياً لتغطية التزاماته، مع العلم أن مسرح الحكواتي هو المسرح الوحيد في مدينة القدس".
تستكمل الفنانة ريم حديثها: "في العرض المسرحي الأخير لــ "نص كيس رصاص" على خشبة الحكواتي الأسبوع الماضي، تفاجئنا بعدد الحضور الهائل والذي أسعدنا جميعاً، فمقاعد المسرح لم تتسع للجميع حتى امتلأت ممرات قاعة العرض، فزاد الحب والعزيمة للوقوف بوجه كل من يسعى لإغلاق هذا المكان صاحب الأروقة الفنية العريقة .. المسرح قريب من قاعدته الجماهيرية الشعبية، لذلك مهما كانت الأحداث السياسية الوطنية عاصفة في الخارج، سيبقى للمسرح جمهوره التوّاق المتابع".
وعن غياب التمويل الرسمي للحكواتي تقول الفنانة: لا يمكن للعمل المسرحي الفني الاستمرار دون تمويل ثابت للمسرح من أجل التركيز والالتفات للعمل, هذه مؤسسة وطنية عريقة وذات تاريخ طويل وتجربة عريقة، لا يمكن لأي فلسطيني قبول مجرد فكرة الحجز عليها أو إغلاقها أو مصادرتها، وفي ذات الوقت، لا يمكن للعمل الاستمرار بهذا الشكل غير الثابت والمحبط للغاية, النخوة الشرقية ما زالت موجودة لدى جميع الفنانين في كافة الأراضي الفلسطينية، وكذلك الأصدقاء والزملاء ومحبي المسرح في كل مكان، وهذا ما جسدته الحملة الحالية التي قام بها مجموعة من الفنانين الفلسطينيين والعاملين في المسرح، داخل فلسطين وخارجها تحت مسمى #الحكواتي_بيتنا، للتضامن مع مسرح الحكواتي ولمنع إغلاقه.
وتوضح تلحمي "الأهم في الوقت الحالي هو الخروج بالحكواتي إلى بر الأمان ومن ثم مناقشة كل الأمور الأخرى والإخفاقات، لوضع خطط واستراتيجيات للعمل وآلية تمويلية ثابتة وواضحة للمسرح حتى لا تسنح الفرصة لا للإحتلال ولا لمستوطنيه الطامعين بأرض المسرح، ولا لغيرهم".
بالأمل تختم ريم تلحمي حديثها لبوابة الهدف أنها على ثقة بالفنانين الفلسطينيين ورجال الأعمال والمثقفين الغيورين على هذا الصرح الثقافي المقدسي.
هذه هي القصة القصيرة التي لن تَحدث في رِوايات الحُب والحَرب, لكنها تَحدث اليوم في مدينة القدس التي نادتها فيروز يوماً "لأجلك يا بهية المساكن يا زهرة المدائن, عيوننا إليك ترحل كل يوم" فإذا أردت شعباً عظيماً, أَعطيني مسرحاً.
المسرح الوطني الفلسطيني// رابط للتبرع https://www.generosity.com/emergencies-fundraising/save-the-palestinian-...