الجمعة 29-11-2024

تفكيك أسطورة: "إسرائيل" ليست ديمقراطية منحرفة بل لم تكن ديمقراطية على الإطلاق

×

رسالة الخطأ

موقع الضفة الفلسطينية

تفكيك أسطورة: "إسرائيل" ليست ديمقراطية منحرفة بل لم تكن ديمقراطية على الإطلاق

[يدحض إيلان بابه في هذا النص، أسطورة "إسرائيل الديمقراطية" وهو يرى أن السؤال ليس: لماذا انحرفت "الديمقراطية الإسرائيلية" بعد 1967، لأن هذا سؤال خاطئ أصلا لأن "إسرائيل" لم تكن أصلا ديمقراطية في يوم من الأيام.
وإذا كانت حجة من يطرحون السؤال الخاطئ أعلاه أن تورط "إسرائيل" في الاحتلال عام 1967 كان هو السبب، فإن بابه يقول بحزم وبأدلة واضحة أن "إسرائيل" هي حالة احتلال مستمرة منذ قيامها. هذا النص مستل من كتاب إيران بابه، المؤرخ الشهير "عشرة أساطير عن إسرائيل" الصادر نهاية 2017 –المحرر]
في نظر الكثير من "الإسرائيليين" ومؤيديهم في جميع أنحاء العالم - حتى أولئك الذين قد ينتقدون بعض سياساتها – تعتبر "إسرائيل" في نهاية الأمر، دولة ديمقراطية حميدة، تسعى للسلام مع جيرانها، وضمان المساواة لجميع مواطنيها. ويفترض أولئك الذينينتقدون "إسرائيل" -الكثير منهم على الأرجح- أنه إذا حدث أي شيء خاطئ في هذه الديمقراطية، فإن ذلك كان بسبب حرب 1967 والاحتلال، وليست سمة ملتصقة بهذه الدولة، زاعمين أن تلك الحرب أفسدت "مجتمعا نزيها" عبر استسهال المال القادم من الاحتلال، والسماح للجماعات الدينية التبشيرية المتطرفة باجتياح السياسة "الإسرائيلية" وتحويل هذه الدولة إلى كيان محتل وظالم في الأراضي التي تم الاستيلاء عليها.
وهذه الأسطورة التي تزعم أن "إسرائيل الديمقراطية" قد واجهت المتاعب في عام 1967 ولكنها لا تزال ديمقراطية، تروج لها حتى بعض المدارس الفلسطينية والمدرسية المؤيدة للفلسطينيين - ولكن ليس لها أساس تاريخي، لأن "إسرائيل" قبل 1967 لم تكن ديمقراطية.

إقرأ أيضا: تفكيك "إسرائيل" عشرة أساطير يدحضها إيلان بابه

قبل عام 1967، لم يكن بالإمكان تصوير "إسرائيل" على أنها ديمقراطية. فمن الثابت طبعا أنها أخضعت خمس مواطنيها للحكم العسكري استنادا إلى أنظمة طوارئ بريطانية إلزامية تمنع عن الفلسطينيين أي حقوق إنسانية أو مدنية أساسية، وفي هذا النظام كان للحكام العسكريين المحليين صلاحيات مطلقة على حياة هؤلاء المواطنين، يضعون لهم قوانين خاصة، ويدمرون منازلهم وسبل كسب عيشهم ويرسلونهم إلى السجن كلما شعروا بالحاجة إلى ذلك، وفقط في أواخر الخمسينيات ظهرت معارضة يهودية قوية لهذه الانتهاكات والتي خففت بشكل طبيعي الضغط عن المواطنين الفلسطينيين.
وبالنسبة للفلسطينيين الذين عاشوا في فترة ما قبل الحرب في "إسرائيل" وأولئك الذين يعيشون في مرحلة ما بعد 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة، يسمح هذا النظام حتى للجندي الأدنى رتبة في الجيش بالحكم، والخراب وتخريب حياتهم ويكونون عاجزين تماما إذا قرر هذا الجندي مثلا أو وحدته أو قائده هدم منزل أو احتجازهم لساعات في نقطة تفتيش، أو سجنهم بدون محاكمة، لا يمكنهم القيام بشيء.
لم تمر لحظة واحدة منذ 1948 دون أن يكون هناك فلسطينيون يعيشون هذه التجربة، وكانت المجموعة الأولى التي عانت تحت نير هذا هي الأقلية الفلسطينية داخل "إسرائيل"، وبدأت في أول سنتين من قيام الدولة عندما تم اقتيادهم إلى معازل، مثل المجتمع الفلسطيني في حيفا والعيش في جبل الكرمل أو طردهم من البلدات التي سكنوا فيها دائما مثل صفد حيث تم إجلاء جميع السكان إلى قطاع غزة.
أما في الريف فكان الوضع أسوأ، فقد تطورت حركة الكيبوتز على حساب القرى الفلسطينية وبالاستيلاء على أراضيها الخصبة، وشمل ذلك الكيبوتسيم الاشتراكي، هاشومير هتسعير الذي يزعم أنه ملتزم بتضامن ثنائي القومية. وبعد فترة طويلة من الهدوء على جبهات القتال، كان القرويون الذين تركوا بيوتهم في الغابسية وبرعم وقاديتا وإقرث على سبيل المثال على ان يعودوا إليها بعد أسبوعين قد خدعوا، ومنعوا من العودة، وحول الجيش أراضيهم إلى مناطق تدريب إلا أنهم عرفوا أن قراهم محيت أو سلمت لغيرهم.
كذلك لايمكن نسيان الرعب العسكري في مذبحة كفر قاسم في تشرين أول/ أكتوبر 1956، عشية الحرب على مصر، حيث قتل 49 مواطنا فلسطينيا على يد الجيش وزعمت السلطات أنهم تأخروا على ساعة منع التجول، لكن هذا لم يكن أبدا السبب الحقيقي، وتظهر البراهين التي ظهرت لاحقا أن "إسرائيل" قد قررت سلفا طرد الفلسطينيين من المنطقة المسماة وادي عارة والمثلث لأنهم من جهة يشكلون عائقا ديمغرافيا في الطريق الذي يربط العفولة في الشرق مع الخضيرة في الغرب، على ساحل المتوسط، ومن جهة أخرى توسيع المناطق الداخلية للقدس الغربية التي تم ضمها إلى الكيان بأكملها بموجب شروط اتفاقية الهدنة لعام 1949 مع الأردن.

وكما رأينا، كانت الأراضي الإضافية موضع ترحيب دائم من قبل "إسرائيل"، لكن الزيادة في عدد السكان الفلسطينيين لم تكن كذلك، فهي تريدها "أرضا بدون شعب" وهكذا، عندما توسعت دولة "إسرائيل"، بحثت عن طرق لتقييد السكان الفلسطينيين في المناطق التي تم ضمها مؤخراً.
كانت عملية (“mole” Hafarfert كانت الاسم الرمزي لمجموعة من المقترحات لطرد الفلسطينيين عندما تندلع حرب جديدة مع العالم العربي، ويعتقد كثير من العلماء اليوم أن مذبحة عام 1956 كانت تدريباً لمعرفة ما إذا كان الناس في المنطقة يمكن أن يخافوا ويهربوا و بالنسبة لمذبحة كفر قاسم التي جاءت في سياق هذه العملية تم جلب مرتكبي المجزرة إلى المحاكمة بفضل مثابرة توفيق طوبي ولطيف دوري، من الحزب الشيوعي في الكنيست، ورغم ذلك أفرج عن القتلة بغرامات خفيفة وكان هذا دليل آخر على سماح الجيش بالقتل في تلك المنطقة.
بعيدا عن المجزرة التي تعتبر حدثا كبيرا، يمكن العثور على أسوأ الفظائع في الوجود اليومي الدنيوي حيث لا يزال الفلسطينيون في "إسرائيل" لا يتحدثون كثيراً عن تلك الفترة قبل عام 1967، ولا تكشف وثائق ذلك الوقت عن الصورة الكاملة، والمثير للدهشة، أننا نجد في الشعر مؤشرا على ما كان عليه العيش تحت الحكم العسكري، كان ناتان ألترمان أحد أشهر شعراء جيله، وكان لديه عمود أسبوعي، يسمى "العمود السابع"، والذي علق فيه على الأحداث التي قرأها أو سمع عنها، في بعض الأحيان، يحذف تفاصيل حول تاريخ أو حتى مكان الحدث، لكنه سيعطي القارئ معلومات كافية فقط لفهم ما كان يشير إليها، وقد أعرب فغي كثير من الأحيان عن غضبه في شكل شعري:
"ظهر الخبر لفترة وجيزة لمدة يومين، واختفى. ويبدو أن لا أحد يهتم، ولا يبدو أن أحداً يعرف. في قرية أم الفحم البعيدة، أطفال - يجب أن أقول مواطني الدولة – كانوا يلعبون في الوحل وبدا أحدهم مشبوهًا لأحد جنودنا الشجعان الذين صاح في وجهه: توقف! الطلب هو أمر، لكن الصبي الأحمق لم يقف، هرب لذلك أطلق جندينا الشجاع، لا عجب وضرب وقتل الصبي، ولم يتحدث أحد عن ذلك".
وفي إحدى المرات، كتب قصيدة عن اثنين من المواطنين الفلسطينيين قتلا في وادي عارة، وفي حالة أخرى، أخبرنا قصة امرأة فلسطينية مريضة للغاية تم طردها مع طفليها، البالغين من العمر ثلاثة وستة أعوام، دون أي تفسير، وأرسلت عبر نهر الأردن، وعندما حاولت العودة، تم إلقاء القبض عليها هي وأطفالها ووضعهم في سجن الناصرة. وكان ألترمان يأمل أن تؤدي قصيدته عن الأم إلى تحريك القلوب والعقول، أو على الأقل إثارة بعض الاستجابة الرسمية. ومع ذلك، كتب بعد أسبوع: "ويفترض هذا الكاتب خطأ إما أن يتم رفض القصة أو تفسيرها. ولكن لا شيء، وليس كلمة واحدة."
وهناك دليل آخر على أن "إسرائيل" لم تكن دولة ديمقراطية قبل عام 1967. وقد انتهجت الدولة سياسة إطلاق النار بقصد القتل تجاه اللاجئين الذين حاولوا محاولة لاسترداد أراضيهم أو محاصيلهم، وشنت هذه "الدولة الديمقراطية" حربا استعمارية لإسقاط نظام عبد الناصر في مصر. كما أن قوات الأمن التابعة لها كانت سعيدة أيضا، فقتلت أكثر من خمسين مواطنا فلسطينيا خلال الفترة من 1948 إلى 1967.

إخضاع الأقليات في "إسرائيل" ليس ديمقراطي

إن الاختبار الحقيقي لأي ديمقراطية هو مستوى التسامح الذي ترغب في إظهاره ومنحه للأقليات التي تعيش فيها، وفي هذا لايمكن أن ترقى "إسرائيل" لأن تكون ديمقراطية حقيقية.
فعلى سبيل المثال، بعد المكاسب الإقليمية الجديدة [إثر احتلال باقي فلسطين والجولان وسيناء عام 1967] تم تمرير العديد من القوانين لضمان وضع متفوق للأغلبية: القوانين التي تحكم المواطنة، والقوانين المتعلقة بملكية الأرض، والأهم من ذلك كله، قانون العودة اليهودي، هذا القانون يمنح المواطنة التلقائية لكل يهودي في العالم، حيث ولد هو أو هي، و هذا القانون على وجه الخصوص غير ديمقراطي بشكل فاضح، لكونه مصحوبا بالرفض التام للحق العودة الفلسطيني - المعترف به دوليا بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948. يرفض هذا القانون للسماح للمواطنين الفلسطينيين في "إسرائيل" بلم شمل أسرهم التي تمزقت عام 1948. إن إنكار حق الناس في العودة إلى وطنهم، وفي الوقت ذاته منح هذا الحق للآخرين الذين لا صلة لهم بالأرض، هو نموذج لممارسة غير ديمقراطية.
يضاف إلى ذلك طبقة أخرى من قوانين حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية فيتم تبرير كل تمييز ضد الفلسطينيين، بحجة أنهم لا يخدمون في الجيش، وقد تكون العلاقة بين الحقوق الديمقراطية والواجبات العسكرية مفهومة بشكل أفضل إذا قمنا بإعادة النظر في السنوات التكوينية والحكم العسكري الذي قرر الساسة "الإسرائيليون" التعامل بموجبه مع خمس السكان.
كان افتراضهم أن المواطنين الفلسطينيين لم يرغبوا في الانضمام للجيش بأي شكل من الأشكال، وهذا ما افترضه، الرفض، بدوره، يبرر السياسة التمييزية ضدهم، وقد تم اختبار ذلك في عام 1954 عندما قررت وزارة الحرب الإسرائيلية استدعاء المواطنين الفلسطينيين المؤهلين للتجنيد الإجباري للخدمة في الجيش. وأكدت المخابرات للحكومة أنه سيكون هناك رفض واسع النطاق لهذا الاستدعاء، ولدهشتهم الكبيرة، ذهب كل الذين تم استدعاؤهم إلى مكتب التجنيد، بمباركة الحزب الشيوعي، أكبر وأهم قوة سياسية في المجتمع في ذلك الوقت. وأوضحت الخدمة السرية في وقت لاحق أن السبب الرئيسي في ذلك هو شعور المراهقين بالملل والحياة في الريف ورغبتهم في القيام ببعض العمل والمغامرة. وعلى الرغم من هذه الحادثة، استمرت وزارة الحرب في تجسيد سرد وصف المجتمع الفلسطيني بأنه غير راغب في الخدمة في الجيش.
حتما، في الوقت المناسب، فإن الفلسطينيين تحولوا بالفعل ضد الجيش، الذي كان قد أصبح مضطهدهم الدائم، ولكن استغلال الحكومة لهذا ذريعة للتمييز يلقي ظلالا من الشك على تظاهر الدولة بأنها دولة ديمقراطية.
وإذا كنت مواطنًا فلسطينيًا ولم تخدم في الجيش، فإن حقوقك في المساعدة الحكومية بصفتك عاملاً أو طالباً أو والدا وحيدا أو كمحتاج إعانة تخضع لقيود صارمة. ويؤثر هذا على الإسكان بشكل خاص، بالإضافة إلى التوظيف - حيث يعتبر 70٪ من جميع الصناعات "الإسرائيلية" ذا حساسية أمنية وبالتالي هي مغلقة أمام العمالة الفلسطينية. ولم يكن زعم وزارة الحرب فقط بأن الفلسطينيين لا يرغبون في الخدمة بل كونهم عدو محتمل ولايمكن الوثوق بهم، والمشكلة أنه في جميع الحروب الكبرى بين إسرائيل والعالم العربي، لم تكن الأقلية الفلسطينية موجودة كما هو متوقع، لم تشكل طابورا خامسا، ومع هذا لاشيء ساعدهم، وحتى اليوم ينظر إليهم على أنهم مشكلة "ديموغرافية" يجب حلها، ولحسن الحظ فإن معظم السياسيين "الإسرائيليين" لا يعتقدون أن الطريق إلى حل "المشكلة" هي عن طريق نقل أو طرد الفلسطينيين (على الأقل ليس في وقت السلم)

سياسة الأراضي "الإسرائيلية" ليست ديمقراطية

إن زعم "إسرائيل" بأنها ديمقراطية لا يصمد أيضا عندما يدرس المرء سياسة الميزانيات التي تمنح للمجالس والبلدات الفلسطينية التي تحصل على أقل بكثير من نظيرتها اليهودية، كما أن نقص الأراضي وفرص العمل يخلق واقعا اجتماعيا واقتصاديا غير طبيعي. على سبيل المثال، تجد القرية العربية الأكثر ثراء في الجليل الأعلى لاتزال أفقر من مدينة تنمية يهودية في النقب، وفي عام 2011 ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست أن "متوسط الدخل اليهودي كان 40٪ إلى 60٪ أعلى من متوسط الدخل العربي بين الأعوام 1997 إلى 2009."
و اليوم أكثر من 90 في المئة من الأرض مملوكة من قبل الصندوق القومي اليهودي (JNF) ولا يسمح لملاك الأراضي ببيع أرض لغير اليهود، و والأولوية في الأراضي العامة للاستخدام في مشاريع وطنية، وهو ما يعني أن يتم بناء مستوطنات يهودية جديدة بينما لا تكاد توجد أي بلدات فلسطينية جديدة. وهكذا، فإن أكبر مدينة فلسطينية، الناصرة، على الرغم من تضاعف سكانها ثلاث مرات منذ عام 1948، لم تتوسع بكيلومتر مربع واحد، في حين أن بلدة التطوير التي بنيت فوقها، الناصرة العليا، قد تضاعفت ثلاث مرات في الحجم، وعلى الأراضي المصادرة من أصحابها الفلسطينيين.
ويمكن العثور على أمثلة أخرى لهذه السياسة في القرى الفلسطينية في الجليل، ونكشف عن القصة نفسها: كيف تم تقليصها بنسبة 40 في المئة، وحتى في بعض الأحيان 60 في المئة، منذ عام 1948، وكيف تم بناء مستوطنات يهودية جديدة على الأراضي المصادرة.
محاولات التهويد الشاملة، اشتعلت بعد 1967 عندما أصبحت الحكومة تعبر عن قلقها إزاء عدم وجود يهود يعيشون في الشمال والجنوب للدولة وذلك خططت لزيادة عدد السكان في تلك المناطق. وقد تطلب هذا التغيير الديموغرافي مصادرة الأراضي الفلسطينية لبناء المستوطنات اليهودية. الأسوأ هو استبعاد المواطنين الفلسطينيين من هذه المستوطنات. هذا الانتهاك الحاد لحق المواطن في العيش حيث يرغب هو أمر مستمر اليوم، وجميع الجهود التي بذلتها المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان في "إسرائيل" للطعن في نظام الفصل العنصري هذا انتهت حتى الآن بالفشل التام ولم تتمكن المحكمة العليا في إلا من التشكيك في قانونية هذه السياسة في عدد قليل من الحالات الفردية، ولكن ليس من حيث المبدأ، تخيل لو تم منع المواطنين اليهود، أو الكاثوليك، في المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة، بموجب القانون من العيش في قرى أو أحياء معينة، أو ربما مدن بأكملها؟ كيف يمكن التوفيق بين هذا الموقف وفكرة الديمقراطية؟

الاحتلال ليس ديمقراطي

وهكذا، وبالنظر إلى موقفها تجاه مجموعتين فلسطينيتين - اللاجئون والمجتمع في "إسرائيل" لا يمكن للدولة اليهودية، بأي قدر من الخيال، أن تفترض أنها ديمقراطية. ولكن التحدي الأكثر وضوحا لهذا الافتراض هو الموقف "الإسرائيلي" الذي لا يرحم تجاه مجموعة فلسطينية ثالثة: أولئك الذين يعيشون تحت حكمها مباشرة وغير مباشرة منذ عام 1967، في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، بسبب البنية التحتية القانونية التي وضعت في بداية الحرب، من خلال السلطة المطلقة التي لا جدال فيها للجيش داخل الضفة الغربية وخارج قطاع غزة الآن، إلى إذلال الملايين من الفلسطينيين كجزء من الروتين اليومي، و "الديمقراطية الوحيدة" في الشرق الأوسط تتصرف كديكتاتورية من أسوأ الأنواع.
الرد "الإسرائيلي" الرئيسي والدبلوماسي والأكاديمي على هذا الاتهام هو أن جميع هذه التدابير المؤقتة سوف تتغير إذا أحسن الفلسطينيون التصرف ولكن المرء يمكنه فهم مدى سخافة هذا بمقارنة الأوضاع مع الأقلية في الداخل.

إقرأ أيضا: إيلان بابه: الاحتلال كان خطة تم الوفاء بها

وصانعو السياسة “الإسرائيليون"، مصممون على إبقاء الاحتلال على قيد الحياة طالما بقيت الدولة اليهودية سليمة، فهو جزء مما يعتبره النظام السياسي "الوضع الراهن"، وهو دائمًا أفضل من أي تغيير و سوف تسيطر "إسرائيل" على معظم فلسطين، وبما أنها ستضم دائماً السكان الفلسطينيين الذين لن يختفوا، فإن هذا لا يمكن أن يتم إلا بوسائل غير ديمقراطية.
بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من كل الأدلة التي تشير إلى عكس ذلك، فإن الدولة "الإسرائيلية" تدعي أن الاحتلال مستنير، و الأسطورة هنا هي أن "إسرائيل" جاءت بنوايا حسنة للقيام باحتلال خيري ولكنها اضطرت إلى اتخاذ موقف أكثر تشدداً بسبب العنف الفلسطيني.
وفي عام 1967، تعاملت الحكومة مع الضفة الغربية وقطاع غزة كجزء طبيعي من "إسرائيل إيريز"، أرض إسرائيل، واستمر هذا الموقف منذ ذلك الحين. عندما تنظر إلى الجدل القائم بين الأطراف اليمينية واليسارية في "إسرائيل" حول هذه المسألة، فإن خلافاتهما كانت حول كيفية تحقيق هذا الهدف، وليس حول صحته وكان أسوأ جزء في هذا "الاحتلال المستنير" المزعوم هو أساليب الحكومة لإدارة المناطق. في البداية كانت المنطقة مقسمة إلى فضاءات "عربية" و "يهودية" محتملة. أصبحت تلك المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مع الفلسطينيين يديرها متعاونون محليون في ظل حكم عسكري. تم استبدال هذا بإدارة مدنية عام 1981.

إقرأ أيضا: ذكريات رجل الإدارة المدنية "أبو يوسف: هكذا كنا نهندس المجتمع الفلسطيني

المناطق الأخرى، المساحات “اليهودية"، استعمرت بالمستوطنات والقواعد العسكرية اليهودية. وكان الهدف من هذه السياسة هو ترك السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة في جيوب منفصلة عن بعضها بدون أي مساحات خضراء أو أي إمكانية للتوسع العمراني، و حصل الأسوأ بعد فترة وجيزة عندما ظهرت غوش إيمونيم والاستيطان في الضفة وقطاع غزة، وادعت هذه الحركة المتطرفة أنها تنفذ خريطة استعمارية دينية توراتية وتوغلت في المناطق الفلسطينية المكتظة وتقلصت المساحة المخصصة للفلسطينيين إلى أبعد حد.

إذا سافرت في الضفة يمكنك أن ترى بوضوح نتائج هذه السياسات: أحزمة من المستوطنات التي تفصل بين أراضي الفلسطينيين وتجمعاتهم السكنية لتعزلهم في مجتمعات صغيرة محاصرة، ومقطوعة، وفي بعض الأحيان يقسم التهويد القرية نفسها ويقطع أوصالها.
علاوة على ذلك، أصبحت المستوطنات بؤر تكاثر فيها التطرف اليهودي دون رقابة - وكان الفلسطينيون هم الضحايا الرئيسيين. وهكذا، فإن تسوية الاستيطان في إفرات أدى إلى تدمير موقع للتراث العالمي في الولجة، وقرية جفنه بالقرب من رام الله، التي كانت تشتهر بقنوات المياه العذبة، والتي فقدت هويتها كمنطقة جذب سياحي، و هذان مجرد مثالين صغيرين من أصل مائة.
وأيضا: تدمير منازل الفلسطينيين ليس ديمقراطية و طبعا هدم المنازل ليس ظاهرة جديدة في فلسطين فكما هو الحال مع العديد من الأساليب البربرية للعقاب الجماعي التي تستخدمها إسرائيل منذ عام 1948، كانت الحكومة البريطانية الانتدابية أول من صممها ومارسها خلال الثورة العربية الكبرى في 1936-1939. كانت وقد استغرق الأمر من الجيش البريطاني ثلاث سنوات لقمعها، في هذه العملية، قاموا بهدم ما يقرب من ألفي منزل خلال العقوبات الجماعية المختلفة التي تمت ضد السكان المحليين، هدمت "إسرائيل" المنازل من اليوم الأول تقريبا من احتلالها العسكري للضفة الغربية وقطاع غزة، و قام الجيش بتفجير مئات المنازل كل عام رداً على مختلف الأفعال التي قام بها أفراد من الأسر وبعضها كان انتهاكات بسيطة للحكم العسكري، و سارع الإسرائيليون إلى إرسال جرافاتهم ليس ليقضوا على البناء فقط بل على الحياة والوجود، و في منطقة القدس الكبرى (كما في الداخل) كان الهدم عقابًا أيضًا على الامتداد غير المرخص لمنزل قائم أو عدم دفع الفواتير. شكل آخر من أشكال العقاب الجماعي الذي عاد مؤخراً إلى رف السلاح "الإسرائيلي" هو شكل صب الاسمنت في المنازل. تخيل أن جميع الأبواب والنوافذ في منزلك محجوبة بالاسمنت والحجارة، بحيث لا يمكنك العودة أو استعادة أي شيء فشلت في إخراجه في الوقت المناسب. لقد نظرت بجد في كتب التاريخ الخاصة بي لأجد مثالاً آخر، لكنني لم أجد أي دليل على مثل هذا الإجراء القاسي يمارس في مكان آخر.

سحق المقاومة الفلسطينية ليس ديمقراطي

وأخيرا، تحت "الاحتلال المتنور"، تم السماح للمستوطنين بتشكيل عصابات أهلية لمضايقة الناس وتدمير ممتلكاتهم. لقد غيرت هذه العصابات نهجها على مر السنين. فخلال الثمانينيات، استخدموا الإرهاب الفعلي – استهداف القادة الفلسطينيين [رؤساء البلديات] (واحد منهم فقد ساقيه في هذا الهجوم)، وصولا إلى التخطيط لتفجير المسجد الأقصى.
في هذا القرن، شاركت هذه العصابات في المضايقة اليومية للفلسطينيين: اقتلاع أشجارهم وتدمير محاصيلهم، وإطلاق النار عشوائيا على المنازل والسيارات. ومنذ عام 2000، كانت هناك على الأقل مائة مثل هذه الهجمات المبلغ عنها شهريا في بعض المناطق مثل الخليل، حيث خمسمائة مستوطن، يضايقون السكان بدعم الجيش بأكثر الطرق وحسية.
منذ بداية الاحتلال عرض على الفلسطينيين خيارين: قبول واقع السجن الدائم لفترة طويلة جدا، أو المخاطرة وتحدي جبروت أقوى جيش في الشرق الأوسط. عندما قاوم الفلسطينيون كما فعلوا في عام 1987، 2000، 2006، 2012، 2014، و 2016 - تم استهدافهم كجنود وحدات من الجيش التقليدي. وهكذا، تم قصف القرى والمدن كما لو كانت قواعد عسكرية وقتل السكان المدنيين العزل كما لو كان جيش في ساحة المعركة.
اليوم نحن نعرف الكثير عن الحياة في ظل الاحتلال، قبل وبعد أوسلو، لتأخذ على محمل الجد الادعاء بأن عدم المقاومة سيضمن أقل القمع. الاعتقالات بدون محاكمة، كما شهدها الكثيرون على مر السنين؛ هدم آلاف المنازل قتل وجرح الأبرياء؛ تخريب آبار المياه - هذه كلها شهادة على واحد من أقسى النظم المعاصرة في عصرنا.
واصلت السلطات لتعزيز المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية، وفرضت قيودا مشددة على حرية الفلسطينيين في التنقل، ومواصلة تشديد القيود وسط تصعيد للعنف منذ أكتوبر وقام المستوطنون "الإسرائيليون" في الضفة الغربية بمهاجمة الفلسطينيين وممتلكاتهم مع الإفلات الفعلي من العقاب، وظل قطاع غزة تحت الحصار العسكري الذي فرض عقوبات جماعية على سكانه، وواصلت السلطات هدم منازل فلسطينية في الضفة الغربية وداخل "إسرائيل"، وخاصة في القرى البدوية في النقب التي طرد قسرا سكانها.
لنأخذ هذا على مراحل: أولا الاغتيالات أو ما يدعوه تقرير منظمة العفو الدولية "القتل غير المشروع": حوالي خمسة عشر ألف فلسطيني قتلوا "بطريقة غير مشروعة" من قبل "إسرائيل" منذ عام 1967. وكان من بينهم ألفي طفل.

سجن الفلسطينيين بدون محاكمة ليس ديمقراطياً

ميزة أخرى من "الاحتلال المستنير" يالسجن دون محاكمة، لقد خضع كل فلسطيني من خمسة، في الضفة الغربية وقطاع غزة لمثل هذه التجربة. ومن المثير للاهتمام مقارنة هذه الممارسة بسياسات أمريكية مماثلة في الماضي والحاضر، حيث يدعي منتقدو حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) أن ممارسات الولايات المتحدة أسوأ بكثير. في الواقع، كان أسوأ مثال أمريكي هو سجن مائة ألف مواطن ياباني بدون محاكمة خلال الحرب العالمية الثانية، و ثلاثين ألفًا في وقت لاحق تحت ما يسمى "الحرب على الإرهاب" ولكن لا يقترب هذان الرقمان حتى قريباً من عدد الفلسطينيين الذين عايشوا مثل هذه العملية: بما في ذلك الشباب، والمسنين، وكذلك المسجونين على المدى الطويل.
الاعتقال بدون محاكمة هو تجربة مؤلمة. إن عدم معرفة التهم الموجهة ضدك، وعدم وجود اتصال بمحامٍ أو أي اتصال مع عائلتك بشكل جدي ما هي إلا بعض المخاوف التي ستؤثر عليك كسجين. بشكل أكثر وحشية، يتم استخدام العديد من هذه الاعتقالات كوسيلة للضغط على الناس للتعاون. وكثيرا ما يستخدم نشر الشائعات أو تهديد الناس بميولهم الجنسية المزعومة أو الحقيقية كوسائل للاستفادة وإجبارهم على الامتثال.
بالنسبة للتعذيب، نشر موقع "ميدل إيست مونيتور" الموثوق به مقالاً مروّعاً يصف المائتي طريقة التي يستخدمها "الإسرائيليون" لتعذيب الفلسطينيين. وتستند القائمة إلى تقرير للأمم المتحدة وتقرير صادر عن منظمة حقوق الإنسان بتسيلم. ومن بين الطرق الضرب، وتثبيت السجناء على الأبواب أو الكراسي لساعات، وصب الماء البارد والساخن عليهم، وفصل الأصابع، وقرص الخصيتين.

"إسرائيل" ليست ديمقراطية

لذا، فإن ما يجب علينا تحديه هنا، ليس فقط إدعاء "إسرائيل" الحفاظ على احتلال مستنير، بل إدعاءها بكونها ديمقراطية، مثل هذا السلوك تجاه الملايين من الناس تحت حكمها يثبت كذب هذه الحيل السياسية.
ومع ذلك، فعلى الرغم من أن قطاعات كبيرة من المجتمعات المدنية في جميع أنحاء العالم تحرم "إسرائيل" من تظاهرها بالديمقراطية، فإن نخبها السياسية، لمجموعة متنوعة من الأسباب، لا تزال تعاملها كعضو في النادي الحصري للدول الديمقراطية. من نواح عديدة، تعكس شعبية حركة BDS إحباطات تلك المجتمعات بسياسات حكوماتها تجاه "إسرائيل".
بالنسبة لمعظم الإسرائيليين، هذه الحجج المضادة ليست ذات صلة في أحسن الأحوال وخبيثة في أسوأ الأحوال. تتشبث الدولة بالرأي القائل بأنها محتلة كريمة، تشير حجة "الاحتلال المستنير" إلى أنه وفقا للمواطن اليهودي العادي في “إسرائيل"، فإن الفلسطينيين أفضل حالا تحت الاحتلال وليس لديهم أي سبب في العالم لمقاومته، ناهيك عن طريق القوة، إذا كنت مؤيدًا "لإسرائيل" في الخارج، فأنت تقبل هذه الافتراضات أيضًا.
ومع ذلك، هناك قطاعات من المجتمع تعترف بصحة بعض الادعاءات المقدمة هنا، في التسعينات، بدرجات مختلفة من الإدانة، عبّر عدد كبير من الأكاديميين اليهود والصحفيين والفنانين عن شكوكهم حول تعريف "إسرائيل" كدولة ديمقراطية. يتطلب الأمر بعض الشجاعة لتحدي الأساطير التأسيسية لمجتمعنا وحالته. هذا هو السبب وراء تراجع عدد قليل منهم في وقت لاحق من هذا الموقف الشجاع وعودته للقطيع.
وبمرور الوقت، وخلال عقد من العقد الأخير من القرن الماضي، أنتجوا أعمالاً تحدت فرضية "إسرائيل ديمقراطية" فصوروها على أنهم ينتمون إلى مجتمع مختلف: مجتمع الأمم غير الديمقراطية، قام أحدهم، وهو الجغرافي أورين يفتشال من جامعة بن غوريون، بنشر "إسرائيل كدولة إثنوقراطية" حيث دولة عرقية مختلطة تتمتع فيها عرقية واحدة بتفضيل قانوني ولها رأي رسمي على رأس المجموعات الأخرى، وذهب آخرون أبعد من ذلك ووصفوها بدولة أبارتهايد أو استعمارية، وباختصار، مهما كان الوصف الذي قدمته هذه المدارس الحرجة، لم تكن "الديمقراطية" من بين هذه المدارس.

انشر المقال على: