السبت 23-11-2024

موسيقى الصمود والمقاومة في رواية "على قيد الموت" للكاتب عمر فارس ابو شاويش

×

رسالة الخطأ

سعيد رمضان على

موسيقى الصمود والمقاومة في رواية "على قيد الموت" للكاتب عمر فارس ابو شاويش
سعيد رمضان على
أولا : مدخل
الشاعر عمر فارس أبو شاويش ، كاتب فلسطيني ، من أهم الأصوات الشبابية بغزة ونشاطه يتسم بطابع ثوري، نظرا لاهتمامه العميق بوطنه الذي أنهكه الانقسام .
يقدم لنا بروايته الجديدة، تأثيراً فاعلا بتلك الحرارة المنبعثة من عقله ومشاعره ومن بحثه عن أجوبة لتلك الأسئلة الأزلية.. الظلم والعدل .. الحياة والموت ..الحب والفقد ..
إن تيار الحياة المتدفق، والمقاومة والصمود ووحشية العدوان، يجعل من هذا العمل بكل ما فيه ليس مقياساً لرواية أخرى، بل هو الصورة الأكيدة والحية لغزة وأهل غزة وبشاعة الاحتلال .
ثانيا القراءة
في روايته " على قيد الموت " ، يوحى الكاتب الفلسطيني عمر فارس أبو شاويش بالصمود ويحرّض عليه. إنه حقا يُمدد بضياء الحياة على ذواتنا، ويستنهضنا لندافع عن حريتنا ، والصمود هو فعل إنساني يستهدف أعلاء قيم الحياة ، بمواجهة المحتل ، ومواجهة كل ماهو مقيد ومحطم للإرادة .. وبدون صمود يسقط الإنسان في أعماق الضياع.
تجرى أحداث الرواية بقطاع غزة حول العدوان الإسرائيلي عام 2008، ومكان الرواية يتجلى كفضاء ثرى ومختلف عن غيره مع التصاق عميق للشخصيات بالمكان
وتحوى الرواية التي صدرت عام 2016تفاصيل مخيفة عن القتل والدمار ، مع اتساع في التناول النفسي لشخوص الرواية، وحياتهم الداخلية ومشاعرهم الدفينة ... ‏أحشد النص بالكثير من التفاصيل ليس لحد إثقال النص، بل لان الكاتب أراد أن يكون راصدا جيدا لمرحلة عايشها . وكنت أنا القارئ شغوفا بتلك التفاصيل ، لأنها قريبة من التفاصيل التي عايشتها وقت العدوان على غزة عام 2014.
الكاتب يعيش الحياة والموت برفقة من يحب ، والمشاهد في الرواية تحتشد بكثيرين ، فاعلين ومؤثرين، لنكتشف مع الكاتب أن العالم من حولنا في حالة غير إنسانية تحكم حركاته.
المحور الذي تعمل فيه الرواية، يسمح لنا بقراءتها في شكل مقابلة بين ( الحياة والموت ) الحياة كحالة حب وصمود... والموت غير الطبيعي كتعبير عن الشكل القاسي للحياة .. وطول الصفحات نذهب برحلة بين الحياة والموت، الحياة هنا لا تتحول عن طبعها ، بل ربما تمنح نفسها أفقا أكثر حميمية، أنها همسات الحب وجبال الصمود تحت الرصاص والصواريخ .
أما الموت فقد خرج عن طبعه، انه يهيج كالبراكين ويقذف بالحمم ، فتغتال الحياة وتنشر الدمار ثم تتوقف فترة لتعود للهياج من جديد .
أكثر ما يلاحظ في الرواية تلك المقاطع التي تثير الغليان .. تثير الأسى .. وحالات الوداع أثناء الشهادة .. وإغماض الأطفال عيونهم .. هذه المقاطع صنعت الرواية بطريقة خاصة ، حالة تحولت الحياة فيها إلى حالة مؤقتة ، انك تعيش لكي تموت بعد دقائق أو ساعات ، تحت جدار متهاوي أو صاروخ يمزقك، ليس هناك حالة من الهدوء التي تمنح الحياة جمالها الخاص، أن حالة الهدوء التي يمكن المكوث عندها طويلا اختفت من الرواية .. والطقس الغالب فيها هو هيجان الموت الوحشي .
الرواية تعبر عن حياة التجربة، والكاتب يثبت تلك التجربة التي تربى في حضنها، ، وبوعي عبر ‏عن مرجعيات النشأة الذي يشترك فيها مع أجيال متأثرا بالفقد والدمار .. ومن الصفحة الأولى نواجه بالحياة والحب والموت:
( يلتقي الزمن أمام حصارين من الحب والموت.. غزة أسلاك شائكة تحيط بها أنياب الدبابات لتقلع من جوف الأرض جذور الصامدين على أعتاب خيمة تبللت عيناها بكحل النساء اللواتي يخبزن النار لينام الصغار طيبون، بانتظار الصباح.)
وبكل صفحة من صفحات الرواية تقابلنها الوحشية الإسرائيلية ، والوعي بقيمة الصمود والحث عليه ، أن تكون صامدا يعنى انك لست مهزوما ، أن ذلك الوعي ينتج جهدا من اجل الرغبة في الحياة، فالكيان النفسي لايسقط ويتناثر إلى كسر و شظايا، لعل تلك اللحظات هي من اللحظات المهمة في الرواية.. قيمة الإنسان موجودة في صموده بواقعة القاسي والمؤلم :
( تتقن الطائرة مجددآ قتلى ، تطلق صاروخ وتساءلنى، هل فكرت يومآ بوعاء ذاكرتك، ذالك الذي ترمى فيه أيامك ، ألم تدرك أن ظلمات الوعي عشيقة للموت السري، والحزن السري والفرح السري، والسر وجع مجهول، بل معلوم ، السر خوف من آخر لايملك مفتاح حياتك أو عمرك ، فلتغادر أرصفة الخوف، ولا تخشى تلك الطائرات المنصوبة من قيم زائفة هشة) صفحة 66 من الرواية .
هناك مقاطع كثيرة بالرواية تغرق في الصدق والحميمية والحياة .. عندما يصور الكاتب كيف يلاحق الفلسطينيين الموت برصاصات وصواريخ المحتل ، والمعاناة النفسية وكيف رصدها بعين شخص عايش الموت ، فهو مشارك وليس مشاهد، لذا انه يعرض التجارب من الداخل وبشكل حيوي ، ويتحدث عنها بكل ما يؤمن بأنه صحيح دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى، أنها اللحظات التي وجد فيها عالم يستحق بأن ينقل إلى الآخرين.. وستجده يقدم أمثله على هذا :
( تفاجىء بطفل صغير في الثانية عشر من عمره ، بدا الطفل خائفا ، يركض بطريقة هستيرية ، أي الشوارع أكثر برودة على جسده الصغير ، أين بيته لكي يعود إليه ، امسك باسل بالطفل طلب منه البقاء معه حتى يخرجوا من هذا المكان سالمين ، أطلقت الطائرة صاروخا على المنزل القريب منهم ، تفرقوا ، ليهرب باسل وشقيقته جنوبا، والطفل يحاول الوصول لمنزله القريب ، البعيد ) صفحة 82 من الرواية
وما يلفت الانتباه في هذا المقطع، تركيزه على الطفولة ومعاناتها ، وحياتها التي تحمل طهرا وبراءة وخوفا ،ومن خلال الطفولة يطرح تساؤلات ذات صلة بمبادئنا الإنسانية المغيبة ، أنها مأساة وراء مأساة ، وكأن الكاتب يعمل جاهدا عبر مقاطعه الإبداعية لإيقاظ الضمير في الإنسانية الضائعة في المجتمع الإنساني الصامت أبدا على المجازر .
تكشف الرواية عن كاتب يملك وعيا سياسيا عميقا ، حين تؤكد الرواية على فشل المنظمات الدولية في منح الشعب الفلسطيني حقوقه ، بل تواطىء بعضها مع الاحتلال، فيقول عن أحدى المدارس التابعة لإحدى منظمات الأمم المتحدة بغزة وهى منظمة الأنروا:
( مدرسة الفاخورة ، لم تعد البيت الآمن للناس الذين لجئوا إليها بعد ما هربوا من كابوس مرعب في الليل ، حتى استفاقوا عليه وفي وضح النهار .. انه الموت الوحشي ، يتربص على أعتاب هيئة أممية ، حتى عرف الناس أن UN رمز عالمي وهمي،يطعمهم الطحين والملح والحليب والسردين، فيأخذ أرواحهم .. ... ... أربعين شهيدا ، والطائرات لم تعد ترافق الغيوم في عصر مبلل بالأرق، ) صفحة 96 – 97 من الرواية
أن ذلك المقطع يستهدف الحقيقة وأحداث تغييرات تحقق التوازن المفقود، فيوجد تفاوتا واسعا في المنظمة الدولية يستوجب التصحيح. وكما انه مقطع يرتكز على المعيشي اليومي بكل ما يحمله من تعقيدات ، فهو يعمق شعورنا بالظلم، ويكشف عن الواقع الذي يعتريه الخلل والتوتر، وفي ذلك يلفت النظر إلى الفلسطينيون الذين يبحثون على اللقمة ، وعن لحظة دفء تُعيد الحياة إلى نفوسهم الجريحة .. بينما يسحقهم الموت الذي يحلق فوق رؤوسهم .
في المقطع التالي نجد الروائي يقدم سخرية ، حين يعمد إلي تقديم عالم متوحش بشكل ساخر ومأساوي إلى القارئ ، فهو من ناحية يستشعر عذاب بلده وأبناء بلده ضمن عذاباته الشخصية وبين واقع الحروب البشعة التي تجد تمجيدا من آخرون لا يعيشون سوى للرغبة في تدمير الآخرين فيقول في أخر الرواية وبأحد أهم مقاطعها الأدبية :
( الحرب البريئة ، القذيفة الطيبة ، الصاروخ الأنيقة، الدبابة العاشقة ، والرصاصة التي تعزف صوت الناي عند الصباح الباكر كي تغزل لون الشمس، وتبنى من خطوطها شعاعا ، كلها تدرك أن لغزة ثمن خاص، وحتى وجع خاص يرافقه الليل والسهر وحال المدينة يهمس بصمت " للحرب ظروف استثنائية ، أن تعيش الحياة وأنت ميت ، أن تموت فيها وأنت حي، أن تصحوا وتشكر الله أن الجدران لم تسقط على جسد كل أمنياته ، أن ينام آمنا) صفحة 214 من الرواية .
وقد عكست الرواية إنسانية الفلسطيني وقت المحن ، فاهتم بمساعدة الآخرين وعلاج الجرحى والتعرض للمخاطر لإخراج الشهداء والأحياء من تحت الأنقاض أثناء القصف . وظهرت العلاقات الإنسانية الحميمة وذلك الدفء العاطفي ، لتتوالى عملية رسم المشاهد في مزيج من الحب والحياة والمقاومة .
النضال في الرواية بين الموت والحياة ، هو نضال سيطر فيه الموت، لكن أهل غزة تعلقوا بالحياة لان الحياة تمثل لهم حب وطنهم .
ورغم أن هناك تواريخ موثقة في الرواية ، ووقائع حقيقية ، إلا أنها من وجهه نظري لا تؤرخ لتاريخ ، أنها ذلك النوع من الروايات التي تستغل الوقائع كإطار يؤكد على كراهية الحرب وكشف الظلم .. لذا فلم ابحث فيها عن التاريخ ، ولم أجرى وراء وقائع حدثت فعلا ، بل بحثت عن قيم الجمال ، النبل والإخلاص ، حب الناس والأوطان ، الأفعال البطولية المرتكزة على جوهر الإنسانية.
تواجهنا الرواية بمشاهد صادمة بتيمات إنسانية نابعة من عمق الواقع بمراراته ، فالمشاهد تقدم لنا المؤثر من الشخصيات الإنسانية التي تشيء بهذه المفارقات الصادمة للضمير لمن يملك الضمير ، شباب ونساء وأطفال بريئة همها الوحيد بعض الحياة والنوم بأمان ، وعلاقة حب ودفء أسرى.
مشاهد تمنح القارئ رعشة الصدمة، عندما تشعل فيه الإحساس بفظاعة العدوان وبشاعة الحرب،

انشر المقال على: