15 عامًا على رحيل الناشطة الأمريكية راشيل كوري
يوافق اليوم الذكرى الخامسة عشر لاستشهاد المتضامنة الأمريكية والناشطة راشيل كوري، في رفح جنوبي قطاع غزّة، سحقًا تحت جنازير دبابات صنّعتها بلادها لتسليح الجيش الصهيوني وتمكين قواته من مواصلة انتهاكاتها ضد الفلسطينيين، يوم السادس عشر من آذار/ مارس عام 2003.
في عصر ذلك اليوم، تقدّم بلدوزر صهيوني باتجاه أحد المنازل الفلسطينية في مخيم رفح للاجئين لهدمه، فتصدّت راشيل وأصدقائها لقوات الاحتلال في محاولة لمنع إتمام عملية الهدم؛ أمسكت بمكبر صوت وهتفت من خلاله "نحن مراقبون دوليون .. عليكم الخروج من المنطقة"، لتنجح بوقف عملية الهدم لمدة ساعتين تقريباً.
لم تكّل الشابة راشيل من الوقوف في وجه الجرافة العسكرية، إلا أن الجندي الصهيوني أصابه الملل أمام إصرارها وصمودها؛ فما كان منه إلا التقدّم صوبها ودهسها بحملها في باطن الجرافة المملوءة بالتراب وإلقاءها على الأرض، ولم يكتفِ بذلك بل تقدم إلى الأمام ساحقاً اياها بنصل الجرافة الحديدي، ثم عاد الي الخلف ليجهز على حياتها نهائياً.
وتصف أليس (ناشطة بريطانية مدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني)، كانت متواجدة في مكان الحادث، ما رأته بعيناها بالقول "رأيت كيف اختلط دم راشيل بالتراب والرمال، ورأيت ساعديها وكتفيها ورأسها، كانت تصرخ وتحاول إخراج نفسها من تحت جنازير الجرافة، لكن الجرافة واصلت سيرها، كان السائق الإسرائيلي يعلم أنها هناك، وكان يعلم أنها أصبحت تحت الجرافة، ولكنه واصل سيره على جسدها، كنا ساعتها نركض نحوها ونصرخ طالبين من السائق أن يتوقف ونلوِّح بأيدينا مؤكدين له أن راشيل تحت جنازير الجرافة، وأنه يجب أن يتوقف، أخيراً توقف السائق، ولكن بعد أن كان جسد راشيل تماماً تحت مقدمة الجرافة، توقف لبضعة ثوانٍ ثم رجع إلى الخلف ساحقاً إياها".
وفي الوقت الذي اندفع أصدقاء راشيل من الفلسطينيين والمتضامنين نحوها لإسعافها إلى المستشفى التي وصلت إليها جثة هامدة، أكمل البلدوزر الإسرائيلي طريقه وأتّم مهمته لهدم منزلين فلسطينيين في مخيم رفح.
حين قرّرت كوري السفر إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة برفقة زملائها عام 2003، كانت لا تزال طالبة جامعية تدرس في عامها الأخير بتخصص الأمراض العصبية.
قصدت مخيم رفح جنوبي قطاع غزة، بعد أن تكرّرت على مسامعها الأحاديث حول معاناة الفلسطينيين اليومية بسبب سياسات الاحتلال الصهيوني التدميرية وعقابه الجماعي، في محاولة للمشاركة في رفع جانب من الظلم عن الشعب الفلسطيني.
وهناك، أقامت عند وصولها مع أسرة فلسطينية بسيطة رب أسرتها يعمل طبيبا، وأحيطت راشيل بحب ورعاية تلك الأسرة كفرد من أفرادها.
يروي أفراد العائلة عن راشيل، قائلين "كانت تشاركنا النوم في غرفة واحدة بسبب قصف جميع غرف المنزل الأخرى، وكانت تفترش على الأرض وتنام بجوار فتيات العائلة".
شهدت راشيل، دمار مئات المنازل الفلسطينية، تفجيراً وقصفاً بالقذائف والصواريخ تارة وهدماً وردماً تارة أخرى، بالإضافة إلى تجريف الأراضي الزراعية التي هي مصدر عيش للفلسطينيين، ناهيك عن ضرب خزانات الماء، وتدمير البنية التحتية، والمراكز الحكومية، والتي تسيّر عجلة الحياة في غزة، لتقلب حياة الغزيين إلى جحيم.
انخرطت راشيل، وناشطين حقوقيين، في نشاطات متنوعة بقطاع غزة، كان من أبرزها محاولتهم التصدي لهدم قوات الاحتلال منازل الفلسطينيين، إلى جانب مشاركتهم بالفعاليات الوطنية الفلسطينية السلمية، كما أنهم يتفقدون العائلات المنكوبة باستمرار.
وأخذت على عاتقها نقل معاناة الفلسطينيين للعالم الخارجي، فبدأت بتكثيف تصريحاتها الإعلامية التي كانت تنتقد فيها الحكومة الإسرائيلية بشدة وسياسة بلادها تجاه القضية الفلسطينية ومؤازرتها للاسرائيليين.
وقد أثارت أنشطة الحقوقيين في الأراضي الفلسطينية، وقطاع غزة على وجه الخصوص، غضب سلطات الاحتلال، من خلال التغطيات الاعلامية على كشف عن الوجه الآخر للاحتلال، وقد لجأت في أكثر من مرة إلى منعهم أو منع وفودهم من الدخول إلى المناطق الفلسطينية،
وعقب واقعة قتل راشيل كوري منعت سلطات الاحتلال الصهيونية "حركة التضامن الدولية" من التواجد والعمل في قطاع غزة.
من جانبها، حمّلت عائلة كوري حكومة الاحتلال جنبا إلى جنب مع الشركة الأمريكية "كاتربيلير" مسؤولية قتل ابنتها.
ورفعت العائلة دعوى قضائية ضد الشركة الأمريكية المصنّعة للجرافة العسكرية التي قضت على حياة راشيل كوري، مشيرةً في نص الدعوى إلى "مخالفة الشركة الأمريكية اللوائح والأنظمة المحلية والدولية، من خلال تصميم جرافات وتصنيعها خصيصا للقوات الإسرائيلية، رغم علمها بأنها تستخدم لأغراض غير إنسانية وبقتل الأبرياء".
كما رفع والدا راشيل مجموعة من الدعاوى القضائية ضد إسرائيل ووزارة الجيش وقواتها العسكرية لإرتكاب جريمة القتل المتعمد ضد ابنتهما.
وتخليدا لذكرى راشيل كوري فقد تم تأسيس جمعية خيرية في غزة التي حملت إسمها. كما قامت حركة غزة الحرة بتتغير اسم السفينة التي تمتلكها من إسمها الأصلي (كارستن) إلى "أم. في. راشيل كوري".
وكانت سفينة راشيل كوري من ضمن قافلة أسطول الحرية التي اتجهت في عام 2010 إلى قطاع غزة، بهدف كسر الحصار الصهيوني المفروض عليه.