كلمة الحركة التقدمية الكويتية
أحمد الديين/ المؤتمر الوطني والعربي السادس لمقاومة التطبيع
2022 / 12 / 10
باسمي ونيابة عن رفاقي في الحركة التقدمية الكويتية أحيي الحضور الكريم وأعضاء المؤتمر الوطني والعربي السادس لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني بمناسبة انعقاد هذا المؤتمر العتيد، وأشكر الرفاق والإخوة في اللجنة التنفيذية العليا لحماية الوطن ومجابهة التطبيع، على تنظيمهم هذا المؤتمر تحت شعار “مجابهة التطبيع مع الكيان الصهيوني مهمة وطنية وقومية” وعلى دعوتهم الكريمة لي للحديث في هذه الجلسة.
وسأركز حديثي في هذه المداخلة على العوامل التي أدت إلى تميّز التجربة الكويتية في مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب.
وبداية لابد من توضيح أن مقاومة أي شعب عربي للتطبيع مع الكيان الصهيوني، بما في ذلك مقاومة شعبنا العربي في الكويت للتطبيع، إنما هي جزء من واجب مستحق علينا كشعوب عربية، انطلاقاً من حقيقة أنّ الخطر الصهيوني لا يطاول الفلسطينيين وحدهم، وإنما يستهدفنا جميعاً نحن العرب، سواء كان خطر الكيان الصهيوني الاستيطاني التوسعي الغاصب المزروع على أرضنا العربية كقاعدة متقدمة ومقيمة للهيمنة الإمبريالية على المنطقة، أو ما تمثله الحركة الصهيونية العالمية كحركة عنصرية عدوانية رجعية تستهدفنا كشعوب وبلدان عربية بمخططاتها وبمؤامراتها وبتحالفها مع القوى الإمبريالية المهيمنة لإحكام قبضتها على منطقتنا وبلداننا ومواصلة نهب مواردنا وتعطيل طاقات مجتمعاتنا وتفتيت بلداننا وإشغال شعوبنا بصراعات طائفية لا طائل من ورائها وبحروب أهلية مدمرة، بحيث يتسيّد الكيان الصهيوني وتتكرس التبعية أكثر فأكثر للمركز الإمبريالي العالمي… وبالتالي فإننا كشعوب عربية مستهدفون ولذا فإننا معنيون بالضرورة بمواجهة الخطر الصهيوني، ومقاومة الكيان الصهيوني الغاصب ومقاومة التطبيع معه.
وفي الوقت نفسه فأنّ مقاومة أي شعب عربي، بما في ذلك شعبنا العربي في الكويت للتطبيع مع الكيان الصهيوني، إنما هو أحد أبسط أشكال التضامن مع شعبنا العربي الفلسطيني وحقه الثابت والأكيد في تحرير أرضه، وحقه في العودة وتقرير المصير وحقه في اقامة دولته الوطنية الفلسطينية وعاصمتها القدس.
وبفخر أقولها واضحة صريحة أن مقاومة الشعب العربي في الكويت للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب تمثّل إحدى النماذج المتميزة، التي تستحق التوقف أمامها والتمسك بها والبناء عليها وتطويرها وتعزيزها.
وعندما نعود إلى العوامل التي شكّلت هذه التجربة المتميزة في مقاومة التطبيع، سنجد أمامنا العوامل التالية:
أول هذه العوامل: رسوخ الانتماء العربي للشعب الكويتي والدور المشهود للحركة القومية العربية في الكويت عبر تاريخها السياسي الحديث والمعاصر، فقبل ستة وثمانين عاماً من يومنا هذا وتحديداً في شهر أكتوبر/ تشرين أول من العام 1936، بادر شباب الكويت إلى تكوين أول لجنة لمناصرة الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الحركة الصهيونية والانتداب البريطاني، وكانت تلك اللجنة تسمى “لجنة أكتوبر” وتضم سبعة أعضاء، حيث نظمت مهرجانا جماهيريا وجمعت تبرعات مالية للثورة الفلسطينية… ويسجل تاريخ الكويت بفخر الدور اللوجستي المشهود والشجاع للمرحوم عبدالحميد الصانع في تهريب السلاح إلى ثوار فلسطين خلال ثورة 1936، ولاحقاً في العام 1937 بعد صدور تقرير “بل” الداعي إلى تقسيم فلسطين، ألّف شباب الكويت لجنة أخرى لدعم الشعب الفلسطيني وكانت تلك اللجنة برئاسة المرحوم عبداللّه حمد الصقر… وفي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين كانت الحركة الوطنية الكويتية تستند إلى بعدها القومي سياسياً وتنظيمياً عبر الدور المشهود للقيادات التاريخية لحركة القوميين العرب في الكويت وفي مقدمتهم الدكتور أحمد الخطيب، الذي كان نائباً لرئيس المجلس التأسيسي في العام 1962 وشارك من ذلك الموقع في وضع أسس الدولة الكويتية الحديثة وصياغة دستور البلاد، الذي يؤكد في مادته الأولى أنّ شعب الكويت جزء من الامة العربية، وكان للحركة الوطنية الكويتية دور ملموس في التضامن الكفاحي مع النضال التحرري لشعوب الأمة العربية، ناهيك عن الصلات الحية مع القيادات الوطنية الفلسطينية سواء المقيمة منها في الكويت أو بسبب الارتباط التنظيمي معها.
وثاني العوامل التي أدت إلى تميّز التجربة الكويتية في مقاومة التطبيع تعود إلى: الدور المقدّر لأبناء فلسطين في المساهمة ببناء الكويت منذ ثلاثينات القرن العشرين، الذين تمثلت طليعتهم الرائدة في المعلمين الفلسطينيين الأوائل الذي ابتعثهم الحاج أمين الحسيني إلى الكويت قبل استقلالها وقبل اكتشاف النفط فيها، وبعد ذلك تنامى الدور الهام لأبناء فلسطين في الكويت على نحو ملموس في مختلف جوانب الحياة الكويتية خلال خمسينات وستينات وسبعينات وثمانينات القرن العشرين، ومن الطبيعي أن يؤدي هذا الترابط والتشابك في العلاقة الحية بين الشعبين الكويتي والفلسطيني ونخبهما السياسية والثقافية وتنظيمات الحركتين الوطنيتين الكويتية والفلسطينية إلى تعزيز التضامن الكفاحي بين الشعبين ورسوخ الرفض الشعبي، بل والرسمي الكويتي أيضاً للكيان الصهيوني الغاصب، وتأكيد مركزية القضية الفلسطينية كقضية تحررية شعبية عربية.
وثالث عوامل تميّز التجربة الكويتية في مقاومة التطبيع يتمثّل في: تجسيد مقاطعة الكيان الصهيوني مبكراً في الكويت على المستوى الرسمي عبر صدور المرسوم الأميري بمقاطعة البضائع الإسرائيلية في 26 مايو 1957، وذلك قبل أن تنال الكويت استقلالها، تحت تأثير الموقف الشعبي القومي، وبعدها إنشاء «مكتب مقاطعة إسرائيل» في ذلك العام، وهو مكتب متميز بفاعليته ويعد من أنشط المكاتب العربية لمقاطعة الكيان الصهيوني، وترأسته شخصيات وطنية معروفة مثل النائب بدر ضاحي العجيل والدكتور سليمان العسكري ومحمد الغربللي.
أما العامل الرابع المهم فقد تحقق على قاعدة توافر الأساس القانوني لمقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني متمثلاً في عدد من التشريعات الكويتية التي تجرّم التعامل مع الكيان الصهيوني بأي صورة من الصور، من بينها القانون رقم 21 لسنه 1964 في شأن القانون الموحد لمقاطعه إسرائيل، الذي يحظر ولا يزال يحظر في مادته الأولى على كل شخص طبيعي أو اعتباري أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقا مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها أينما أقاموا… ويحظر في مادته الثانية دخول أو تبادل أو حيازة البضائع والسلع والمنتجات الإسرائيلية بكافة أنواعها… وكذلك المرسوم الأميري بإعلان الحرب الدفاعية بين دولة الكويت والعصابات الصهيونية المحتلة، في يوم 5 يونيو/ حزيران 1967 وهو المرسوم الذي لا يزال سارياً إلى يومنا هذا… إذ أننا في الكويت من الناحية القانونية في حالة حرب قائمة مع الكيان الصهيوني الغاصب، وهو أمر له أهميته في تثبيت أساس قانوني يجرّم التطبيع مع الكيان الصهيوني ويضعه في مقام الخيانة الكبرى.
والعامل الخامس جاء نتيجة المشاركة الكويتية بالسلاح في مواجهة العدو الصهيوني وامتزاج الدم الكويتي مع دماء الشعب الفلسطيني والشعوب العربية في معارك التصدي لحروبه العدوانية والمشاركة في المقاومة الفلسطينية، فقد أرسلت الكويت، هذا البلد العربي الصغير، قسماً مهماً من قواته المسلحة إلى الجبهتين المصرية أولاً ثم السورية قبيل عدوان الخامس من يونيو/ حزيران في العام 1967 وللمشاركة في معارك حرب الاستنزاف على قناة السويس، وفي حرب اكتوبر 1973 والمعارك التي تبعتها، حيث تم إرسال لواء اليرموك إلى الجبهة المصرية وقوة الجهراء إلى الجبهة السورية، وشارك الجنود الكويتيون ببسالة في مواجهة العدو الصهيوني واستشهد في تلك المعارك 42 من أبطال الجيش الكويتي، هذا ناهيك عن المشاركة الشعبية الكويتية في المقاومة الفلسطينية، بدءاً من مشاركة الشهيد الشيخ فهد الأحمد الجابر الصباح في حركة المقاومة الفلسطينية ضمن “حركة فتح” حيث قاتل الغزاة الصهاينة في “معركة الكرامة” الشهيرة يوم 21 مارس من العام 1968، مروراً بالعديد من شباب الكويت الذين التحقوا بصفوف المقاومة الفلسطينية في نهاية الستينات وبداية السبعينات بينهم: السفير السابق محمد القديري، الذي كان ضمن فدائيي الجبهة الشعبية – القيادة العامة، وكان اسمه الحركي “الرفيق صقر”، ورجل الأعمال الكويتي المعروف عدنان عبدالقادر المسلم، الذي التحق بقواعد فدائيي الجبهة الديمقراطية في غور الأردن في 1969، والشهيد عبدالرحمن الرميح الذي التحق بجبهة التحرير العربية في لبنان، ورفيقتنا نوال دعيج العون التي التحقت بقوات المقاومة في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان في صيف العام 1982، وصولاً إلى ما تكللت به تلك المشاركات الشعبية الكويتية في حركة المقاومة الفلسطينية باستشهاد البطل فوزي عبد الرسول المجادي، الذي روت دماؤه الطاهرة أرض فلسطين المحتلة في يوم الرابع من يونيو من العام 1989، وذلك بعدما نفّذ مع مجموعة من رفاقه من مقاتلي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عملية فدائية جريئة في مستوطنة “مسكاف عام” بالجليل، ولم تتم إعادة جثمانه الطاهر إلى أرض وطنه الكويت إلا بعد مرور أكثر من 19 عاما على استشهاده، وذلك ضمن عملية التبادل في يوليو من العام 2008.
إن المشاركة الكويتية بالسلاح في مواجهة العدو الصهيوني وامتزاج الدم الكويتي مع دماء الشعب الفلسطيني والشعوب العربية في معارك التصدي للعدوان الصهيوني ومقاومته مثلت أساساً قوياً معمداً بالدم والكفاح المشترك لمقاومة الكويت الشعبية والرسمية للتطبيع.
وهذا ما سهّل على الكويتيين أن يتجاوزوا تداعيات بعض المواقف السلبية لعدد من القيادات الفلسطينية تجاه القضية الكويتية خلال غزو النظام العراقي السابق واحتلاله الكويت في العام 1990، حيث شارك عشرات آلاف الكويتيين في العديد من التجمعات والاعتصامات والفعاليات وتشكيل اللجان التضامنية مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ورفضاً للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ناهيك عن المواقف الرائعة للعشرات من الشباب الرياضي الكويتي في المبادرة إلى الانسحاب من أي نشاط رياضي يضطرهم لمقابلة عناصر أو فرق الكيان الصهيوني.
ولهذا تميّزت التجربة الكويتية عن سواها في مقاومة التطبيع، ولهذا أيضاً ستبقى الكويت عصيةً على الضغوط التي تحاول فرض التطبيع عليها مع الكيان الصهيوني الغاصب.