الجمعة 28-02-2025

شرط إنهاء الانقسام: الاتفاق على المشروع الوطني

×

رسالة الخطأ

د. فيحاء قاسم عبد الهادي

شرط إنهاء الانقسام: الاتفاق على المشروع الوطني
د. فيحاء قاسم عبد الهادي

تم التوقيع في غزة قبل أيام معدودات، وتحديداً في الثالث والعشرين من نيسان 2014 على الاتفاق الذي تم التوقيع عليه منذ سنوات، في القاهرة، والدوحة؛ لإنهاء الانقسام، وتحقيق الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد.
"تم التأكيد على الالتزام بكل ما تم الاتفاق عليه في اتفاق القاهرة، والتفاهمات الملحقة، وإعلان الدوحة، واعتبارها المرجعية عند التنفيذ".
وبعد المراوحة بين التوقيع، ونقضه، مراراً وتكراراً؛ يحق لنا ان نتساءل: حتى ينتهي الانقسام؛ هل يكفي الاتفاق على إجراء مشاورات تشكيل حكومة التوافق الوطني، خلال خمسة أسابيع، والاتفاق على تزامن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وعلى مناقشة إجراءات الانتخابات، في لجنة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، في اجتماعها المقبل، والتأكد من عقد اجتماعات منتظمة للجنة، واستئناف عمل لجنة المصالحة المجتمعية ولجانها الفرعية؟!
وإذا كانت هناك أسباب منعت تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام منذ 14 حزيران 2007؛ فهل زالت هذه الأسباب، حتى يمكن أن يُزَفَّ إلى الشعب الفلسطيني "انتهاء مرحلة وسنوات الانقسام الفلسطيني"؟!
وبعيداً عن الجلسات الودية، والابتسامات العريضة، وتبادل التحيات، والعناق، وروح المحبة، التي سادت بين طرفي الانقسام، والوفد المرافق؛ هل تم اتفاق على البرنامج السياسي؟ وهل تم الاتفاق على موقف محدد بشأن استئناف المفاوضات؟ وبشأن مقاومة الاحتلال؟ وهل تم الابتعاد عن تحميل كل طرف الطرف الآخر مسؤولية تعطيل تنفيذ الاتفاق؟!
وهل صحيح أنه لا يوجد تناقض بين المفاوضات والمصالحة؟!

*****
تخلل موضوع إنهاء الانقسام، جلسات المؤتمر السنوي الثالث للمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية/ مسارات، بيوميه، رغم تخصيص جلسة خاصة لمناقشته، في اليوم الثاني للمؤتمر: 5 نيسان 2014؛ تبحث الموضوع بارتباطه بإستراتيجيات مقاومة المشروع الصهيوني الاستعماري العنصري.
كما شكل إنهاء الانقسام حجر الزاوية؛ ضمن كافة الأوراق المطروحة في المؤتمر.
وقد تبيَّن ذلك منذ الجلسة الأولى للمؤتمر، حتى ختامه؛ إذ لا يمكن إنهاء الانقسام دون إعادة تعريف المشروع الوطني والهدف الاستراتيجي، وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، كما لا يمكن تفعيل المقاومة الشعبية، ومواجهة السلبيات، وتطوير الإيجابيات، دون وحدة نشطاء المقاومة الشعبية. أما الأسرى فهم أحوج ما يكون لإنهاء الانقسام بينهم، حتى يتصدوا لجلاديهم، وينالوا بعض حقوقهم/ن.

*****
لم يختلف أي من المشاركين والمشاركات في المؤتمر حول ضرورة إنهاء الانقسام. ولم يختلف حول أهميته طرفا الانقسام، حيث تسابقا على الحديث حول أهمية إنهاء الانقسام؛ بل ذهبا إلى أبعد من ذلك، حين أكدا على أن: "الانقسام تدمير للقضية الفلسطينية"، "ضد المصالحة مع إنهاء الانقسام؛ لأن المصالحة موجودة والجريمة الوطنية قائمة".
وإذا كان الانقسام تدمير للقضية الوطنية، وجريمة وطنية؛ فمن يتحمل مسؤولية تدمير القضية الوطنية، ومسؤولية الجريمة الوطنية، منذ حزيران 2007 حتى الآن؟!

*****
كرَّس المؤتمر جلستيه الأولى والثانية، لعرض ونقاش الأوراق، التي تناولت "إعادة تعريف المشروع الوطني والهدف الاستراتيجي"، والذي شكَّل ضرورة لا غنى عنها لإنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة الوطنية؛ لتحقيق الانتصار.
ولم يقتصر نقاش الموضوع على مقدمي الأوراق والمعقبين/ات؛ بل امتد ليشمل مجموعة كبيرة من المفكرين/ات، والأكاديميين/ات، والنشطاء السياسيين، في الوطن وفي الشتات، الذين قدموا تصوراتهم/ن المكتوبة، لمرتكزات الرؤية الجديدة للمشروع الوطني، وللهدف الوطني الاستراتيجي؛ الأمر الذي وسَّع دائرة النقاش، وعمَّقها.
ضمن مداخلته؛ واصل د. نديم روحانا، ما طرحه من أفكار في المؤتمر الأول لمسارات عام 2012؛ حين تحدث عن أهمية انطلاق المشروع الوطني الفلسطيني، من وحدة الشعب الفلسطيني، ووحدة قضيته، ووحدة مصيره، وحين نبَه إلى خطر التقسيم والتجزئة على مصير الشعب الفلسطيني، مبيناً أهمية أن يعود الصراع إلى أصوله، من حيث هو صراع بين حركة تحرر وطني، ومشروع كولونيالي، داعياً إلى استخدامه ليس كتوصيف فحسب؛ بل كتحليل، ومذكراً أنه لم ينته أي مشروع من المشاريع الكولونيالية باقتسام البلاد التي جرى استعمارها بين المستوطنين والسكان الأصليّين.
"إذا تصالح الشعب الفلسطيني مع الصهيونية؛ معنى ذلك انه تصالح مع حركة كولونيالية، تأتي لتقول له: هذا الوطن ليس وطنك".
وعلى هذا الأساس؛ يفكك د. نديم المنظومة الفكرية، التي أوصلت الحركة الوطنية الفلسطينية وقياداتها إلى طريق مسدود، وينتصر لحل الدولة الواحدة، التي يرى فيها تجسيداً للمشروع الفلسطيني الوحدوي، مقابل حل الدولتين، الذي يجسد المشروع الفلسطيني التجزيئي.
ويطرح تساؤلاً مشروعاً حول أفضل وسائل المقاومة، ووسائل النضال، لتحدي المشروع الصهيوني الكولونيالي.
*****
في الجلسة المكرَّسة لبحث "إنهاء الانقسام ضرورة وطنية"؛ وبعد تأكيد طرفي الانقسام، على رغبتهم الجدية بإنهائه، مراراً وتكراراً، وإعلانهم عن ذلك عبر وسائل الإعلام؛ توقع المشاركون/ات أن يستمعوا، إلى لغة تخاطب تعكس هذه الرغبة، وتبحث في أفضل الوسائل لتجسيد هذه الرغبة، في خطوات عملية، على الأرض.
جرى تراشق الاتهامات، المعلنة والمبطنة، واستمعنا إلى الخطاب القديم الجديد، والذي يشعرنا، في كل مرة نستمع إليه؛ بأن الانقسام يزداد عمقاً، وأن شعار "إنهاء الانقسام"، ليس سوى خطاب إعلامي، وشعبوي، يهدف إلى كسب الوقت، وتعميق الانقسام، وتكريس واقع التجزئة والتشرذم القائم.
*****
بعد تراشق الاتهامات بأسابيع قليلة؛ اجتمع وفد منظمة التحرير الفلسطينية، مع وفد حركة حماس، في غزة، ضمن أجواء وصفت بالإيجابية، وعبرت حركة حماس عن الأجواء التي سادت اللقاء، بأنها "مجتمعة على قلب رجل واحد، وأن أياديها ممدودة للوحدة الوطنية بكل روح إيجابية"، كما أن وفد منظمة التحرير، عبر عن الفرحة بلقاء أشقاء "عشنا معهم لسنوات، ونقترب من إنهاء الانقسام"، ودعا إلى "اجتثاث الانقسام البغيض والورم الخبيث من الجسد الفلسطيني".
ولكن الانقسام لن ينتهي بتجاهل أسبابه الحقيقية، ولن ينتهي؛ إذا لم يكن هناك إرادة حقيقية لإنهائه، على أساس النضال المشترك لمواجهة المشروع الصهيوني الكولونيالي، وتحقيق الانتصار.
كما انه لن ينتهي؛ سوى ضمن مفهوم الشراكة السياسية الحقيقية؛ ليس بين طرفي الانقسام فحسب؛ بل بين مختلف مكونات الشعب الفلسطيني، نساء ورجالاً، داخل الوطن وخارجه، وأينما وجد الفلسطينيون.

انشر المقال على: