حينما تتفق أجهزة السلطة والاحتلال على ملاحقة نشطاء الـ"فيسبوك"
خاص لـ"موقع الضفة":
لم يمض على انطلاق هبّة أو انتفاضة القدس الحالية، في شهر أكتوبر من العام الماضي، سوى القليل حتى سارعت أجهزة أمن الاحتلال، وتبعتها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بإحكام قبضتها الرقابية على مواقع التواصل الاجتماعي، ومتابعة التغريدات عليها، خاصة في الـ"فيس بوك"، تزامناً مع الحملات الأمنية والاستخبارية اليومية والتي تهدف الى قمع هذه الهبّة وإجهاضها.
وقررالاحتلال في حينه إنشاء"قسم عربي"جديد لتعقب ما أسماه "النوايا الجنائية"، لدى الفلسطينيين، للقيام بعمليات فدائية ضد الاحتلال ومستوطنيه.
الاحتلال أنشأ أكثرمن 5 آلاف حساب شخصي زائف على موقع التواصل "فيسبوك" بأسماءعربية وهمية،بهدف تعقّب النشطاءالفلسطينيين وكل من يعلن تأييده أو مباركته لعمليات فدائية بتهمة "ممارسة التحريض".
أجهزة أمن السلطة استبقت انتفاضة القدس بحملة لملاحقة الإعلاميين والنشطاء على خلفية كتاباتهم وتغريداتهم على هذه المواقع، والتعبيرعن أنفسهم، ولاحقت واعتقلت عددا منهم أبرزهم المنتج في فضائية "فلسطين اليوم" مجاهد السعدي،ورئيس نادي الاعلام في جامعة بيرزيت براء القاضي.
السعدي أُطلق سراحه بعد أن اعتقله جهازالمخابراتا لفلسطيني من منزل شقيقه بمدينة جنين، بـتهمة "شتم وتخوين" عضواللجنةالمركزية لحركة فتح عزام الأحمد على موقعه على الـ “فيسبوك”، في حين اعتُقل براء القاضي لعدة أسابيع بتهمة (ذم السلطةا لعامة) بعد أن نشرمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي ،ومواد صحفية نشرت على مواقع الكترونية ، أيأنهاتُهمٌعلىخلفيةتعبيرهعنرأيهالسياسي رغم النفي الرسمي.
وكانت أجهزة الأمن الفلسطينية اعتقلت قبل ذلك الصيدلي رائد القبج ، والمواطن أصلان الطويل على خلفية كتابات على"فيسبوك" لمدة عشرة ايام.
وشهد شهر تموز من العام الماضي التحقيق مع مهندس الصوت في اذاعة "راية اف ا م" تامر الكحلة ، ومراسل موقع "أصداء" قتيبة صالح قاسم، على خلفية كتاباتٍ لهم على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
في حين وجهت سلطات الاحتلال لوائح اتهام ضد عدد من الشبان الفلسطينيين بتهمة "ممارسة التحريض ودعم منظمات إرهابية "، من بينهم؛ الشابيْن عمرحلواني (18 عاما) ومحمود عبداللطيف (23 عاما)، من مدينة شفاعمرو بالداخل الفلسطيني، ومن القدس أمين سر حركة فتح اقليم القدس سابقا عمر الشلبي، على خلفية منشورات على صفحاتهم الشخصية في موقع "فيسبوك"، تضمّنت ا لدعاء للشهداء والمقاومة الفلسطينية، والصحفية المقدسية سماح الدويك التي ما تزال في سجون الاحتلال على هذه الخلفية.
الحقيقة المُرّة أنه لم يعد يمرّ يوماً دون السماع عن اعتقال أو التهديد باعتقال أوتقديم لائحة اتهام ضد فلسطيني بتهمة ممارسة التحريض على مواقع التواصل سواء من أجهزة أمن الاحتلال أو السلطة.
والأمر الغريب العجيب أن حملات الاحتلال الصهيوني لم تقتصر على ملاحقة مستخدمي مواقع التواصل ، بل امتدت لملاحقة إدارة هذه المواقع، حيث رفعت منظمة صهيونية تسمى "القانون" دعوى جماعية ضد "فيسبوك" بعد أن جمعت تواقيع حوالي 20 ألف مستوطن على عريضة تتّهم إدارة الموقع بـ "السماح بالتحريض ضد "إسرائيل".
وطالب أصحاب الدعوى الصهيونية، إدارة موقع "فيسبوك" بشطب المنشورات التحريضية ضد "إسرائيل" وحذف صفحات الشهداء الفلسطينيين الذين نفّذوا عمليات مقاومة ضد أهداف عسكرية أو استيطانية صهيونية.
وحسب عدد من المتابعين فإن الاحتلال وأجهزة أمن السلطة اعتقلوا عشرات الفلسطينيين على خلفية كتاباتهم وتغريداتهم على هذه المواقع، وأصدر الاحتلال قرارات بالحبس الاداري لمدد متفاوتة على عدد من النشطاء والاعلاميين الذين اعتقلهم على هذه الخلفية.
متابعون لهذه القرارات، أكدوا لنا دون السماح بالإفصاح عن هويتهم، أن الأمر لم يقتصر على متابعة النشطاء، فقد سبق ذلك ملاحقة أجهزة أمن السلطة والاحتلال على حدٍ سواء لصفحات مؤيدة للمقاومة ضد الاحتلال، وعملت على إغلاقها بالكامل، وحظر العديد منها.
لكن، وفي كل الأحوال فان الملاحقة تتم بحق الفلسطينيين فقط، ولاتستهدف المستوطنين الذين يشعلون مواقعهم الاجتماعية وحتى الإعلامية بمواد التحريض سواء ضد الفلسطينيين، أو مقدساتهم وممتلكاتهم، خاصة الدعوة الى قتل العرب والفلسطينيين، والتحريض العلني بحق المسجد الاقصى والدعوة لهدمه من أجل إقامة مبنى المعبد أو الهيكل مكانه.
في الجانب الآخر، كانت محاكم أميركية شرعت قبل عدة شهور في ا لنظر في دعوى تعويض بقيمة مليار دولار، بتحريض من "إسرائيل"، ضد "فيسبوك"، بزعم دورالموقع في "تسهيل" عمليات فدائية نفذها فلسطينيون، وأسفرت عن مقتل وجرح عدد من المستوطنين يحملون جوازات سفر أمريكية.
إلا أن وسائل اعلام عبرية متعددة نشرت تعقيباً لخبيرة صهيونية في مجال متابعة مواقع التواصل العربية في "مركز أبحاث الأمن القومي" الصهيوني، أورلي بارلوف ، قالت فيه: إنّ "فيسبوك يلعب دوراً ثانوياً فقط في التحريض على الإرهاب". وأضافت: إنّ "الحملة التي تشنها الدوائر "الإسرائيلية" على فيسبوك غيرمبررة وتحركها حسابات السياسة الداخلية "الإسرائيلية".
وفي مقابلة أجرتها معه قناة موقع "واللا" مؤخراً، أشار تبارلوف إلى أن الوزراء بحكومة نتنياهو يحاولون تسجيل نقاط لدى الرأي العام "الإسرائيلي"، من خلال الحملة "المفتعلة" ضد فيسبوك. ولفتت إلى أنّ "إسهام "فيسبوك" في التحريض على العنف والإرهاب قليل"، مشيرةً إلى أن الفلسطينيين يستخدمون "الفيسبوك" في الدفاع عن روايتهم للأحداث، وليس للتحريض.
واستهجنت بارلوف أن تطالب دوائر رسمية "إسرائيلية" ويهودية بحجب فيسبوك متسائلة: "كيف يمكن التعامل مع مؤسسة (فيسبوك) تضاهي دولة عظمى ويستفيد من خدماتها 2.5 مليار شخص في أرجاء العالم بهذه الطريقة ؟ " . ونوهت بارلوف إلى أن كلاً من وزير الأمن الداخلي يغآل أردان ووزيرة القضاء إياليت شاكيد "لايعرفان أن الذي يسهم بشكل غيرمباشرفي التحريض هما واتس اب وإنستاغرام"، مشيرةً إلى أن "الفلسطينيين يستخدمون هذين الموقعين في تعميم صور قتلاهم الذين يسقطون بعد تنفيذ عمليات ناجحة أو فاشلة "، مضيفةً : "الدعوات للانتقام تتعاظم في أوساط الفلسطينيين في أعقاب نشرهذه الصور". واستدركت بارلوف أن "إسرائيل" تتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية عن تمكين الفلسطينيين من توظيف هذه الصور" لأنها تسمح للجنود بالتعاطي مع جثث القتلى الفلسطينيين على نحو يثيراستفزاز الفلسطينيين"، على حد تعبيرها.
الدوائرالصهيونية ، بدورها، امتدحت قرار "فيسبوك" حذف عشرات الصفحات الت يتعود إلى قيادات وناشطين ومؤسسات تابعة لفصائل فلسطينية.
في سياق متصل،كُشف مؤخراً أن وحدات الحرب الإلكترونية في الجيش والمخابرات الصهيونية طورت " محركات رصد" لتحديد المناشير التي ينشرها الفلسطينيون على فيسبوك وتحمل دلالات على نيتهم تنفيذ عمليات.
وذكرت وسائل اعلامٍ عبرية أن وحدات الحرب الإلكترونية تقوم برصدعشرات الآلاف من المناشير في الثانية وفحصها لتحديد المناشير التي تحمل مؤشرات على نية أصحابها تنفيذ عمليات ضد أهداف "إسرائيلية"، والوصول إلى أصحابها واعتقالهم والتحقيق معهم. ويتم تزويد "محركات الرصد" بآلاف "الكلمات المفتاحية التي تدلل على الرغبة في تنفيذ عمل عنفي".
في المقابل، وبشكل متوازي، اعترفت مصادر أمنية تابعة للاحتلال الصهيوني أن أجهزة أمن السلطة نفذت عشرات الملاحقات الأمنية بحق نشطاء الفيسبوك على خلفية تغريدات لهم على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
وكان لتصريحات رئيس جهاز المخابرات في السلطة ماجد فرج أصداء ايجابية في دولة الكيان، بينما أصيب الشارع الفلسطيني بخيبة أمل من هذه التصريحات التي تباهى فيها بأن أمن السلطة منع تنفيذ أكثر من 200 عملية ضد الاحتلال، واعتقل العشرات وصادر "أسلحة" كانت ستُستخدم ضد الاحتلال وعصاباته الاستيطانية.
وتشمل ملاحقات أمن السلطة استدعاءات واختطافات، ضمّت فئات اجتماعية مختلفة، ولم تقتصرعلى فئة دون عينها،والكثيرمن الحالات كان يتم استجواب اصحابها بعد توجيه مذكرات حضور لهم، وتحذيرهم من مغبة تعرضهم للاختطاف، في حال واصلوا التهجم على السلطة على الـ"فيسبوك"، فيما تعرض آخرون للاختطاف بحسب طبيعة كتاباتهم".
المؤسسات الفلسطينية المختلفة: الاعلامية والحقوقية وغيرها، لم تتحرك بما فيه الكفاية لفضح وتعرية هذه السياسات التي تستهدف أولاً أصحاب الرأي من إعلاميين وصحفيين وكتاب وغيره، واقتصر عمل هذه المؤسسات، على أكبر تقدير، في إصدار بيانات شجبٍ واستنكارٍ هزيلة وضعيفة لا تفي بالغرض المطلوب.
من جانبها، قوات الاحتلال كثفت حملات اعتقالها وملاحقاتها وتهديداتها بحق الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين، بهدف إقصائهم وإبعادهم عن الميدان ومنع عمليات التغطية وخاصة تغطية أحداث انتفاضة القدس والهبّة الجماهيرية الحالية.
وليس أدل على ذلك من اعتقال الزميلة الصحفية سماح الدويك منذ عدة شهور على خلفية عملها الصحفي وكتاباتها على موقع الـ"فيس بوك"، في حين تم تهديد عدد من الصحفيين عبر الهاتف من جهات استخبارية صهيونية عليا لوقف كتاباتهم تحت طائلة الملاحقة والاعتقال كما حصل مع كاتب هذه السطور.
الفصائل الفلسطينية، خاصة في الضفة المحتلة، دورها محدود- خاصة إذا استثنينا منها حركة فتح باعتبارها الفصيل الحاكم والذي يتماشى مع سياسات السلطة ويبرر تصرفاتها- وتصدر عن هذه الفصائل بين فترة وأخرى تصريحات لقياداتها أو بيانات صحفية لا تحرك ساكنا ولا تلقى تجاوبا جماهيريا.
وكثيرا ما أجمعت هذه الفصائل عن رفضها التام لسياسات أمن السلطة بحق الصحفيين ونشطاء التواصل الاجتماعي، من تصاعدحملاتالاستدعاءوالتحقيقوالاحتجازوالاعتقال، كان أبرزها اعتقال جمال أبوريحان الذي يتولى إدارة صفحة الكترونية باسم "الشعب يريد إنهاء الفساد"، فضلاً عن تهديد البعض بلقمة العيش والحرمان من الوظيفة وغيرها من أساليب تتشابه في جوهرها مع الأساليب التي تنتهجها أجهزة أمن الاحتلال لملاحقة النشطاء خاصة أصحاب الرأي من الكتّاب والإعلاميين.
ورُبّ سائل عن المطلوب لمواجهة هذه السياسات الأمنية الفلسطينية الصهيونية المتشابهة، ولعلّ الجواب يتمحور حول ضرورة تفعيل دور نقابة الصحفيين الفلسطينيين- التي وللأسف تخلق مبررات لسياسات السلطة ولا تخرج عن نهجها- بضرورة أخذ مكانتها في الدفاع عن حرية الرأي والعمل الاعلامي والصحفي، كما أن المؤسسات والأجسام الصحفية- على اختلاف تسمياتها وانتماءاتها الحزبية والفصائلية - مُطالبة اليوم قبل أي وقت آخر بالتحرك الجاد والجماعي لفضح وتعرية السياسات التي تحدّ من نشاط النشطاء والإعلاميين، والضغط على السلطة السياسية للتحرك لوقف ملاحقة أجهزتها الأمنية التي لا تختلف عن نشاط أجهزة الاحتلال، كما أن نقابة المحامين لا تستطيع أن تأخذ منحىً جانبياً وتدّعي أن الأمر ليس من اختصاصاتها؛ بل هو من صميم عملها في الذود والدفاع عن الإعلاميين والنشطاء، وقبل كل شيء في الدفاع عن حرية الرأي حتى وإن كان مخالفاً وجارحاً.