السبت 23-11-2024

تقرير500 معتقل إداري يصرخون: كفى! فادي الشافعي

×

رسالة الخطأ

موقع الضفة الفلسطينية

تقرير500 معتقل إداري يصرخون: كفى!

فادي الشافعي

خاص بوابة الهدف

يقبع الناشط غسان زواهرة، الآن، في زنزانة إسرائيلية دون سقف زمني أو تهمة محددة أو أمل بمحاكمة علنية، محرومًا ومحاميه من الاطلاع على الأسباب. ويتكرر احتجازه بهذه الطريقة منذ 13 عامًا، فما ينفك يلتقط أنفاسه حرًا تزج به سلطات الاحتلال، مرة أخرى، في سجونها بموجب إجراءات "الاعتقال الإداري". ويكتفي القاضي بالادّعاء أن إطلاق سراحه يشكل خطرًا على "أمن المنطقة والجمهور" وأن أجهزة الأمن تمتلك ملفًا سريًّا ضده لكي يصدر بحقه أمر اعتقال إداري جديد، وهكذا يقضى غسان عمره معتقلًا في زنازين الاحتلال بلا موعدٍ مع الحرية. يقول الحاج إبراهيم زواهرة والد غسان، في مقابلة مع "الهدف":" إنّ غسان ما ينفك يخرج من السجن حتى تعيد قوات الاحتلال الصهيوني اعتقاله، وفي آخر مرّة أفرج عنه بدأ مشروعًا صغيرًا، وما إن لقى مشروعه نجاحًا حتى أعادت قوات الاحتلال الصهيوني اعتقاله، وهكذا يقضي غسان حياته منذ نعومة أظافره". كما غسان، تعتقل "إسرائيل" 500 فلسطيني وفق الأوامر العسكرية المعروفة بـ"الاعتقال الإداري" ما اضطرهم إلى رفض المثول أمام محاكمه الخاصة بداية من رأس السنة الميلادية 2022، ملوحين باحتمالية تكرار ما فعله المعتقلون الإداريون عام 2014 باللجوء إلى الإضراب الجماعي المفتوح عن الطعام. وتدّعي سلطات الاحتلال الإسرائيلي أنّ اتفاقية جنيف بشأن حماية المدنيين وقت الحرب تخوّلها لاحتجاز الأشخاص الخاضعين لسلطتها تحت الاحتلال بموجب قوانين الاعتقال الاداري. وبالفعل، يجيز القانون الدولي الإنساني للدولة القائمة بالاحتلال باللجوء إلى "الاعتقال الإداري" كاحتجاز مؤقت في ظروف محددة ووفق شروط صارمة إلا أنّ "إسرائيل" تخالف الشروط بشكل منهجي، وتحوله، وفق خبراء، إلى انتهاكٍ جسيم يرقى إلى جريمة حرب. وترجع القوانين العسكرية الإسرائيلية المتعلقة بأوامر الاعتقال الاداري إلى قانون الطوارئ الانتدابي لعام 1945، ويقع إصدارها بحق المعتقلين من قطاع غزة والضفة الغربية بيد الحاكم العسكري الاسرائيلي للمنطقة دون تحديد لعدد مرات التجديد، بينما يصدرها بحق المقدسيين وزير الأمن الاسرائيلي، وتستند غالبية حالات الاعتقال الإداري على مواد سرية. ويمنح القانون الإسرائيلي للقائد العسكري صلاحية إجراء أيّة تعديلات على أوامر الاعتقال الإداري بما يتلاءم و"الضرورة العسكرية" دون الاخذ بالحسبان أيّة معايير دولية لها علاقة بحقوق المعتقلين. ويرى المحامي بشير الخيري، وهو أحد الخمسمائة، أن تحويله إلى الاعتقال الاداري، بغض النظر عن مدته، يتنافى مع أبسط حقوق الانسان في الدفاع عن نفسه والاطلاع على ما ينسب إليه، معتبرًا هذا مخالفًا للشرعية الدولية التي أتاحت فرص اللجوء لقوانين الطوارئ في حالات الضرورة القصوى لمدة لا تزيد عن سنة. ويعبّر المعتقل الخيري دوافعه لمقاطعة المحكمة في رسالة موجزة قائلاً: صونًا لكرامتي الوطنية وقناعاتي؛ أرفض المثول أمام محكمة الإداري وأي حكم صادر عنها، ويصفها بـ"محاكم القهر". ويشبّه الكاتب المعتقل عبد الرازق فرّاج "الاعتقال الإداري" بـ"صخرة سيزيف" الأسطورية التي تمثّل أيقونة البشرية في التعبير عن العذاب الأبدي، فيقول: "تحوّلت هذه الأسطورة إلى واقع حقيقي في زمن الاحتلال الإسرائيلي، فبات "سيزيف" يتجسّد واقعاً في المئات من الفلسطينيين والفلسطينيات الذين عُذّبوا ويُعَذّبون بصورة متواصلة بالاعتقال الإداري المتكرر ولفترات طويلة". ويضيف:" ما إن يقترب المعتقل الإداري من إنهاء ثقل ومعاناة القرار الأول بالاعتقال... حتى ينتظره تحمل ثقل وقيود ومعاناة قرار ثانٍ وثالث ورابع… في تعبير عن التعذيب المتواصل". لا يقتصر عذاب الاعتقال الإداري على الأسير فحسب بل يطال كل أفراد عائلته. وتصف زوجة المعتقل "فرّاج" ترقّب الإفراج عنه بـ"التعذيب النفسي" وتقول إنّ العذاب لا يقتصر على سنوات الاعتقال، وإنما يمتد إلى فترات الحرية النسبية التي يحظى بها، فيظل هو وعائلته يترقبون موعد الاعتقال المقبل. وتطرح مسألة الإجابة على أسئلة الأطفال بشأن موعد الإفراج عن آباءهم، أو تأجيل الموعد بشكل مفاجئ. هذه اللحظة التي كتبت عنها مجد طفلة الشهيد خالد باكير دلايشة: "كنا شقيقاتي وأنا نلبس ملابس جديدة ننتظر وننتظر لكن والدنا لا يأتي، نسأل أمنا: لماذا لم يعد والدنا للبيت؟ تجيبنا الأم لأنهم جددوا اعتقاله ستة أشهر أُخرى". يناضل الأسرى لمواجهة الاعتقال الإداري، وتكشف الأساليب التي ابتدعوها منذ الثمانينات عن مسارين: فردي وجماعي. ويمثّل الاضراب الفردي المفتوح عن الطعام صورة المسار الأول، بينما يمثّل الاضراب الجماعي المفتوح عن الطعام، والمقاطعة الجماعية لجلسات المراجعة القضائية صورة الثاني. ويحاجج المؤمنون بالمسار الجماعي، وأبرزهم المحامية سحر فرنسيس مديرة مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان وتقول في مقابلة مع "الهدف"، إنّ الإضراب الفردي عن الطعام لا يمكن أن يحقق إنجازًا في مواجهة الاعتقال الإداري كسياسة، بل يعود مردوده على المعتقل المضرب عن الطعام نفسه فقط. ويرصدون زيادة مضطردة لمدّة الإضرابات الفردية بينما استغرقت الأولى منها أقل من 50 يومًا، تضاعفت حاليًا لما يزيد عن 130 يومًا كما الشهر الماضي مع عدّة معتقلين آخرهم: كايد الفسفوس، مقداد القواسمة، وهشام أبو هواش. ومن شأن هذه الزيادة التأثير سلبًا على أيّ إضراب جماعي قادم، علمًا أنّها تكاد تصل إلى نفس مدّة أمر الاعتقال الإداري الصادر بحق المعتقل؛ فيقضي مدة الأمر وهو مضرب عن الطعام. بالإضافة إلى أنّ الإضراب الفردي فتح الباب أمام المخابرات "الإسرائيلية" لمساومة المعتقل بشكل منفرد في محاولة منها لكسر إرادته وهو تحت آلام الامتناع عن الطعام لأشهر.

انشر المقال على: