الخميس 12-12-2024

انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي تطال الموتى والمقابر

×

رسالة الخطأ

المحامي علي أبوهلال

انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي تطال الموتى والمقابر
* المحامي علي أبوهلال
تواصلت انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة، حتى شملت الأحياء والموتى في قبورهم، فقد أظهر فيديو تداولته مواقع إخبارية ورواد منصات التواصل يوم الاثنين الماضي 25 أكتوبر 2021، أماً فلسطينية تبكي وتتشبث بقبر ابنها، في حين تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي وجرافاته بنبش مقبرة اليوسفية في مدينة القدس.
وذكرت مواقع إخبارية فلسطينية إن المقدسية أم علاء نبابتة عانقت قبر ابنها كي تمنع نبشه، فيما اعتدى عليها جنود الاحتلال بالضرب في محاولة لإبعادها عن مكان أعمال التجريف، في الوقت الذي اقتحمت طواقم من "سلطة الطبيعة" التابعة للاحتلال مقبرة اليوسفية وشرعت بأعمال تجريف فيها، شملت إحاطتها بقضبان حديدية، وقامت هذه الطواقم بتحطيم هذه القبور والشواهد فيها، وحفرت بعضها حتى ظهرت رفات الشهداء، ما أدى إلى تأجيج الغضب في الشارع المقدسي بسبب انتهاك حرمة المقابر، وهبّ المقدسيون لمواجهة هذه الاعتداءات احتجاجاً على مواصلة انتهاك حرمة المقبرة، واعتدت عناصر شرطة الاحتلال على الأهالي والمتواجدين، وحاولت منعهم من الدخول إلى المقبرة للاطمئنان على قبور أفراد عائلاتهم.
ورفضت محكمة الصلح التابعة للاحتلال الأسبوع الماضي، طلب لجنة رعاية المقابر الإسلامية في القدس، منع بلدية الاحتلال وما تسمى "سلطة الطبيعة" من الاستمرار في أعمال الحفر والنبش في قبور الموتى، في أرض مقبرة الشهداء المجاورة للمقبرة اليوسفية.
وذكر المحامي مهند جبارة الذي يترافع باسم لجنة رعاية المقابر إن "محكمة الصلح لم توافق على الطلب الذي قدمناه من أجل وقف أعمال الحفر والنبش في المقبرة اليوسفية، وصادقت على استمرار هذه العمليات". وشدد على أن هذا القرار خطير ومفاجئ لا يتعاطى مع حقائق الأمور، ولا يأخذ بعين الاعتبار قدسية المكان، وخطورة نبش القبور وظهور عظام الموتى، والمس بمشاعر المسلمين في القدس والعالم.
يشار إلى أن مقبرة الشهداء تحوي "صرح الشهيد" وعدداً من القبور القديمة والحديثة، مساحتها تبلغ نحو أربعة دونمات، وهي الامتداد الشمالي لمقبرة اليوسفية والتي تعرّضت للعديد من الانتهاكات "الإسرائيلية" على مدار السنوات الماضية.
يذكر أن النصب التذكاري (الجندي المجهول) أو (نصب الشهداء) أقيم في المقبرة التي تقع تحت سور القدس القديمة مباشرة من الناحية الشرقية وقرب المسجد الأقصى بعد استشهاد عدد من جنود الجيش الأردني ومدنيين في حرب يونيو/ حزيران عام 1967.
وتُعد مقبرة "اليوسفية" إحدى أبرز المقابر الإسلامية في القدس، ومن بينها: مقبرة النبي داود، ومقبرة المجاهدين، ومقبرة مأمن الله، التي قامت آليات الاحتلال بأعمال تجريف داخلها لإقامة "متحف التسامح". وتقع "اليوسفية" شمال مقبرة الرحمة، وبمحاذاة سور القدس الشرقي على مساحة تُقدّر بـ 14 دونمًا، ويعود تاريخ إنشائها إلى العهد الأيوبي، وتشير بعض المصادر إلى أن التسمية جاءت نسبة إلى صلاح الدين الأيوبي، واسمه يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدُويني التكريتي".
وتنوي بلدية الاحتلال إقامة حدائق توراتية ومدرجات تطلّ على سفوح جبل الزيتون شرقي القدس على أرض المقبرة، وقامت خلال السنوات الماضية بتغيير المعالم المحيطة بها من خلال أعمال ادّعت أنها "عمليات ترميم".
يواصل المقدسيون تنظيم الاحتجاجات اليومية وينظمون المواجهات السلمية للدفاع عن المقبرة، ولمنع أعمال التجريف الجارية في المقبرة التي يعود تاريخها لمئات السنين، ويؤدون صلاتي المغرب والعشاء على مقربة من المقبرة للتعبير عن احتجاجهم ورفضهم لما يجري فيها من انتهاكات من قبل قوات الاحتلال.
حكومة الاحتلال لا تزال ماضية في مخططاتها الرامية إلى تجريف المقبرة وازالتها من الوجود، دون أن تأخذ بالاعتبار أن ما تقوم به يشكل خرقا صارخا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، ولكل القيم والحقوق الإنسانية، كما أنه مخالف لكل الشرائع الدينية بما في ذلك الديانة اليهودية التي تقر بحرمة المقابر اليهودية وترفض المس برفات الموتى اليهود، وتقوم حكومة الاحتلال ببذل كل ما في وسعها وتدفع أثمانا باهظة وغالية من أجل إعادة رفات اليهود من الجنود وغيرهم، ودفنهم في مقابر اليهود، في الوقت الذي لا تحترم مشاعر الفلسطينيين تجاه موتاهم ومقابرهم، ولا تقيم وزنا لمقابر المسلمين ولرفات موتاهم، وذلك انطلاقا من أيديولوجيتها العنصرية والعدوانية، التي تمجد العنصر اليهودي والصهيوني، وتحتقر غير اليهود من أبناء الديانات والقوميات الأخرى، وهذا ما يبدو جليا وواضحا تجاه الفلسطينيين والعرب والمسلمين، الأحياء منهم أو الموتى، وظهر ذلك تجاه المقدسية أم علاء نبابتة التي عانقت قبر ابنها، كي تحميه من عنف قوات الاحتلال التي تصر على تجريف قبره والعبث برفاته ونبشه.
محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

انشر المقال على: