القدس عاصمة السماء. انتفاضة القدس 3
.. مخاض ..
___ قصة قصيرة __________ من ادب المقاومة _ _____ _________ ___ بقلم حسين ابو الهيجاء
.. اجل يا أمي ، انه شهري الخامس ،، و مع بداية الربيع ستكون الولادة ،، عند ئذٍ نكون قد وصلنا الى المرحلة الاخيرة ايها الرجال ، كل شيء يسير وفق الخطة ، و لكن تذكّروا أن أخطر و أصعب ما في مسيرتنا ، هي المرحلة الاخيرة ، مرحلة الولادة ،، انها اصعب مراحل الحمل يا ابنتي ، ستعانين من ذلك ، ولكن كل آلامك ستتبخّر فور ان يرى وليدك النور .،، و آمَل أن تتوخّوا الحذَر ، و ان تظلّوا مُتيقظين ، ابقوا اياديكم على السلاح ، ابقوا اعينكم و قلوبكم مشدودة الى الهدف ، راقبوا كل شيء ، و خذوا حذركم من كل شيء ،.. بدأ الآن بطني ينتفخُ بوضوح اكثر ، انه السابع يا امي ، و بدأت آلامهُ تغازلني ، انتعشُ لها اكثر كلما اشتدت اكثر ،.. لاننا ندرك اننا اقتربنا من الفجر اكثر ، طلقاتُ البداية ستكون من بنادقنا ، ثم سيزغرد الرصاص في كل مكان ، كونوا على يقين من النصر ، لا خيار آخَر لنا ، اطفالنا ينتظرون ان نأتيهم بالغد ، انتم أمَلَهم و اغنيتهم ، .. و ها هو الثامن اوشكَ على الانتهاء ، و اصبحتْ الآلام أشدّ قسوة ، ثمة نشوة تُخدّرني ، ولكن الخشية من الفشل تُرعدني ، هل سيُفضي المخاضُ الى ولادة ناجحة يا امي ? ، .. انه المخاض الاخير ايها الرجال ، و سننتزعُ الضياء ، .. آلام التاسع تُمزّقُ احشائي ، يا لهذا الجنين المتمرد ، يخمشُ اعماقي بنعومة و قوة ، كم هو في عجلة من امره ، آهٍ كم اتوقُ لرؤية هذا الشقيّ ، آهٍ كم يُعذبني و يقسو عليّ ، و آه ثم آه كم تُنعشني اطلالتهُ .. ، طال غيابهم ، ذهبوا ليهزموا الظلام ، ذهبوا ليفرشوا الارض بالربيع ، و ليَدَعوا الطيور تفرّ من اقفاصها ، ، متى تعودون يا احبابنا ..، انتظر ، انتظر ياجنيني حتى يحين الوقت ، ساتحمل كل الآلام كي اراكَ مولوداً كاملا ..، آهٍ من الطلق يا امي كم هي حادة آلامهُ ،، الطلقُ علامةٌ يا ابنتي ، اشارة لبدء الولادة ..، كلما ازدادت الطلقات اكثر ، حققنا حسماً اسرع يا اخوتي ، امطروهم بالرصاص و بكل ما تحملون ، ليكن امامكم هدفاً واحداً .. التقدم .. الضغط .. الدفع للامام .. ، لان الضغط مع الدفع يساعد كثيرا و ينهي العملية بوقت اسرع با ابنتي ، ستفرحين كثيرا ، و ستسري نشوة في اوصالك عندما تسمعين صراخه معلنا عن قدومه ،، لا نشوة تضاهي تلك النشوة ايها الرجال ،، و ستخلدين لنوم خَدِرٍ و هانيء ، و ستنقشعُ كل آلامك ، كم هي رائعة عملية الولادة يا ابنتي ..، اجل ، اجل و كم هو مُقدّس ما ينتطر اهلنا ان نأتيهم به ، لا اسمى ولا اجمل من سطوع الشمس ..، ارى قطرات العرق تنزّ من جبينِك يا حبيبتي ، و ارى آلام الظهر ضاغطة ، و انفاسكِ متقطّعة ، ساهاتف المشفى لارتب الامور ..، كل المجموعات تنتظر اشارة البدء من هجومنا ، خذوا اماكنكم ، شدوا اصابعكم على الزناد ، و عندما يأتيكم الايعاز ، فاجؤوهم بازيز طلقاتكم ،..، عندما يكون الطلقُ متواصلاً هكذا يعني انكِ في حالة ولادة ، تقلصات و جهكِ و تشنجات الجسد و هذا الاعتصار من الالم .. انت تلدين يا عزيزتي ، هيا بنا اذن ، ها قد وصلت سيارة الاسعاف ، غرفة الولادة و الطبيب بالانتظار ، علينا ان نسرع ، بات كل شيء جاهزاً للهجوم ، مَن يبادر بالولوج يا اخوتي ? ، انا ، بل انا ، لماذا ليس انا !! ، حسنا ، تقدموا بمنتهى الحذر ، و اكتموا انفاسكم ، انه الصهيل يا احبتي ، تسلحوا بالارادة و الايمان ، قليلٌ من الصبر و كثير من الامل و ترينَ الجنين مولودا كاملا ،، الاصبع على الزناد و العين على الهدف، و مع الاشارة باغتوهم ، و استمروا بالتقدم ، و إن ارتقى احدكم ليتابع الآخر ،، هيا عقموا غرفة الولادة ، جففوا جبين الام ، و ارتدوا كماماتكم ،، هل الجميع جاهز الآن ،، اذن ، اشعل الضوء الاحمر خارج الغرفة علامة لبدء العملية ،، انها اشارة الهجوم يا اخي ، فليزغرد الرصاص اذن ، و ليذهب الاعداء الى الجحيم ، و ضغطوا على الزناد ، انتفضت فوق السرير ، و لألأت شُهبٌ في السماء ، فرّتْ طيور من اعشاشها ، ارتفعت صرخات و هتافات ، غرقتْ الانحاءُ بالوان حادة ، بالوان قاتمة ، و باشياء قانية ، و فزَعتْ دواب و زواحف ، ارتعشت اغصان الشجر ، و علا هدير الحمم ،، صفرت صافرة في المشفى تنبيء عن حالة طارئة ، و صدحَ بوق الانذار في الخارج ، و زعقت ابواق سيارات الاسعاف ، تراكض اطباء و ممرضون الى غرفة الولادة ، و ارتعدت الام في الممر ، ماذا حدث بحق السماء ?! ، انها عملية ولادة صعبة و شاقة يا خالة ، .. نعم ، نعم ، ولكن ما كنا عليه اصعب يا اخوتي ، و سنجتاز الصعاب ،، و ماذا يعني ذلك ايها الطبيب ? ، سنبذل كل ما نستطيع لانقاذها يا خالة ، اتسمعين صراخها ? ، اتسمعون عويلهم و صرخاتهم ? ، سننتزع الامل ،، امسكتْ بآخَر ، والجنين ? ماذا بشأن الجنين ?? ، ستحتاج امه كثيرا من الدماء لينجوا الجنين ، ، سنبذل الدماء و الارواح ، سنبذل كل شيء حتئ نمسك بالفجر ، حتى نُطيّر الحمام في سمائنا ، ، تراكض الممرضون في الاروقة ، يحملون اكياس دماء ، و كثيرا من اللفافات البيضاء و العقاقير الملونة ، انخضّتْ الام في اثرهم ، انتفض الممر و تراقصت الجدران وارتفع صوت ازيز الرصاص ، اندفعتْ خلفهم ، اوصِدَ الباب دونها ،،
صرختْ بقهر : ماذا ستفعلون ??
تناهى اليها اكثر من صوت :
- الجراحة امرٌ حتميّ يا خالة
- الجراحة امر حتمي يا خالة
________________ من مجموعتي القصصية________________ حسين ابو الهيجاء