رام الله ـ القدس العربي اكدت مصادر فلسطينية بحثية لـالقدس العربي أن الاجهزة الامنية باتت تمثل عبئا على كاهل الميزانية العامة الفلسطينية، حيث تستهلك تلك الاجهزة وعناصرها اكثر من 31 بالمئة من الناتج المحلي الفلسطيني، في حين وصلت الميزانية العامة للسلطة الى درجة الافلاس، اذ لم تتمكن الحكومة الفلسطينية من دفع رواتب الموظفين العموميين للشهرين الماضيين على التوالي.
وفي ظل الازمة المالية الحادة التي تعانيها السلطة أظهرت نتائج دراسة يجري الاستعداد لاصدارها عن معهد الدراسات والبحوث الاقتصادية ماس في الاراضي الفلسطينية بأن نصيب الأجهزة الأمنية من الناتج المحلي الفلسطيني للعام 2011 بلغ 31 بالمئة.
واوضح الباحث الاقتصادي أحمد عزات قباجة من معهد ماس لـالقدس العربي الثلاثاء، ان الاجهزة الامنية تحصل على نسبة عالية جدا من الناتج المحلي الفلسطيني، من دون ان يكون هناك داع لهذا العدد الكبير من عناصر الامن بالاراضي الفلسطينية، مشيرا الى ان عدد العاملين في الاجهزة الامنية يفوق عدد العاملين في قطاع التربية والتعليم والقطاع الصحي والعاملين في قطاع الشؤون الاجتماعية.
وطالب قباجة في دراسته التي يجري الاعداد لنشرها قريبا بـتخفيض التكلفة الأمنية وإعادة النظرة في حاجة المجتمع الفلسطيني لهذا الكم من الأجهزة الأمنية، في اشارة الى الامن الوطني والشرطة والامن الوقائي والمخابرات العامة والدفاع المدني وحرس الرئاسة والاستخبارات العسكرية، متابعا خاصة ان عدد عناصر الاجهزة الامنية يفوق عدد العاملين في التربية والتعليم والصحة والشؤون الاجتماعية في نفس الوقت.
واوضح قباجة لـالقدس العربي، ان عدد عناصر الامن الفلسطينيين بلغ 64687 موظفا، في حين بلغ عدد الموظفين المدنيين 88366 ليصبح عدد الموظفين الحكوميين الفلسطينيين اكثر من 153 الف موظف في الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 2011، مشددا على ان حصول الامن على 31 بالمئة من النفقات الجارية الفلسطينية هي نسبة كبيرة جدا.
وأظهرت نتائج الدراسة التي أعدها قباجة حصول قطاع الصحة على نسبة 11 بالمئة، في حين كان نصيب قطاع التربية والتعليم نسبة 19.4 بالمئة، بينما حصل قطاع الخدمات الاجتماعية على نصيب الأسد من الناتج المحلي بنسبة وصلت إلى 43 بالمئة، حيث بلغ صافي إيرادات السلطة خلال العام 2011 أكثر من 8.5 مليار شيكل ( يبلغ سعر صرف الدولار الامريكي 3.76 شيكل).
وبين قباجة لـالقدس العربي ان الدراسة عملت على اساس بيانات عرضها الموقع الالكتروني لوزارة المالية الفلسطينية لموازنة عام 2011، أوضحت أن إجمالي النفقات على الأمن والنظام العام بلغت حوالي 3088 مليار شيكل حتى شهر تشرين الأول (اكتوبر) من العام نفسه، وكان للرواتب الشهرية النصيب الأكبر بمبلغ تجاوز 2373 مليار شيكل.
ومقارنة بقطاعي التعليم والصحة، فحسب البيانات، بلغ إجمالي النفقات الذاهبة للتعليم نحو 1788 مليار شيكل، تشكل الرواتب نحو 1439 مليار شيكل حتى اكتوبر من العام 2011، وما تبقى تم إنفاقه على النفقات التشغيلية والتحويلية والرأسمالية والتطويرية.
وحسب الدراسة: يلاحظ من بيانات وزارة المالية أن النفقات الجارية للسلطة الفلسطينية في ازدياد متواصل، وتوزع النفقات الجارية بين مؤسسات الدولة المختلفة، ومن أهمها: الخدمات الاجتماعية، والأمن والنظام العام، حيث بلغت حصة بند الخدمات الاجتماعية ما نسبته 43 بالمئة من مجمل الإيرادات الجارية للأعوام 2011 و2010. أما الأمن والنظام العام فتحصل على ما نسبته 31 بالمئة من مجمل الإيرادات الجارية لعام 2011 و32 بالمئة للعام 2010. وتملك المؤسسة الأمنية، والمؤسسة التعليمية، والصحية أعلى حصة من هذه النفقات الجارية، اذ تحظى المؤسسة الأمنية ممثلة بوزارة الداخلية والأمن بما نسبته 31 بالمئة من أجمالي النفقات الجارية للسلطة الفلسطينية في العام 2011، وهي من أعلى النسب عند مقارنتها بحصة مؤسسات أخرى لا تقل أهمية كوزارة الصحة، ووزارة التربية والتعليم، حيث بلغت هذه النسبة 11 بالمئة و19.4 بالمئة.
وطالب قباجة السلطة الفلسطينية بالتوقف عن التوظيف من باب الحد من البطالة الامر الذي أدى في نهاية الامر الى عجز الحكومة الفلسطينية عن دفع رواتب الموظفين الحكوميين.
وتسعى الدراسة المتخصصة التي جرى اعدادها لتوضيح السبل الكفيلة بتحقيق الاستدامة المالية للسلطة الفلسطينية، وتكمن أهمية هذه الدراسة في تحليلها المفصل للجوانب المالية للسلطة الفلسطينية، فقد تناولت في فصولها المختلفة إيرادات ونفقات السلطة الفلسطينية منذ العام 1995 حتى العام 2011، بالإضافة إلى استعراضها للمشاكل التي تحد من قدرة السلطة الفلسطينية على تخفيف عجزها المالي.
وقسمت الدراسة المراحل المالية التي مرت بها السلطة الفلسطينية إلى خمس مراحل أساسية:
ـ المرحلة الأولى (1994- 1999)، حيث كان الإنفاق الجاري يموَّل بشكل أساسي من الإيرادات المحلية مع انخفاض مستمر في عجز الموازنة الجارية ووجود فائض في موازنة 1998 و1999.
ـ المرحلة الثانية (2000-2002)، تراجعت المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في الأراضي الفلسطينية متأثرة بالظروف السياسية القاسية والحصار الاقتصادي خلال سنوات الانتفاضة الثانية، مما أدى إلى استيعاب جزء كبير من فائض العمالة والعاطلين عن العمل في القطاع الحكومي المدني والعسكري، الأمر الذي ساهم في ارتفاع مستوى الإنفاق الجاري مع تراجع (أو ثبات نسبي) في جانب الإيرادات. وبالنتيجة انعكست هذه التغيرات على تفاقم مشكلة الدين العام لتغطية العجز.
ـ المرحلة الثالثة (2003-2005)، على الرغم من بدء عملية الإصلاح المالي في هذه الفترة إلا أن نفقات السلطة الفلسطينية واصلت الارتفاع بسبب تطبيق الشق المالي من قانون الخدمة المدنية وارتفاع عدد الموظفين إلى 146 ألفا.
ـ المرحلة الرابعة (2006-2007)، وتعتبر من أصعب المراحل المالية للسلطة الفلسطينية لعدم قدرتها على تغطية رواتب الموظفين، بسبب توقف إسرائيل عن تحويل إيرادات المقاصة، بالإضافة إلى توقف العديد من الدول المانحة عن تقديم أي مساعدات مالية للحكومة الفلسطينية التي شكلتها حماس.
ـ المرحلة الخامسة (2008-2011)، ارتفعت الإيرادات بشكل ملحوظ، لتحسن الإدارة الضريبية وتسارع وتيرة المساعدات الخارجية. مما أدى إلى انخفاض عجز الموازنة الجارية في العام 2008 وفي العام 2010. وتضيف الدراسة: ولكن على الرغم من ذلك التحسن إلا أن المشكلة الأساسية لم تحل، ويعود ذلك إلى وجود التزامات شهرية مؤكدة تشكل أكثر من نصف النفقات، وإيرادات غير مؤكدة كالمساعدات الدولية وتحويلات المقاصة.
واوضحت الدراسة ان الموارد التمويلية للسلطة تنقسم إلى إيرادات ضريبية وإيرادات غير ضريبية. وتنقسم الإيرادات الضريبية إلى ضرائب مباشرة وغير مباشرة. وتشكل الضرائب غير المباشرة (ضريبة القيمة المضافة والجمارك وضريبة المحروقات) الجزء الأكبر في توفير الإيرادات لخزينة السلطة الفلسطينية. وتشير تقارير دولية إلى ضياع مبالغ كبيرة (نصف مليار دولار) على خزينة السلطة من أموال الضرائب غير المباشرة نتيجة عدم التزام بعض المستوردين والتجار الفلسطينيين بإظهار الفواتير واستمرار عمليات تهريب البضائع للمناطق الفلسطينية. أما الضرائب المباشرة ممثلة بضريبة الدخل فلم تتجاوز مساهمتها 7 بالمئة من إجمالي الإيرادات الضريبية. ويرجع ضعف مساهمة ضريبة الدخل في الإيرادات الضريبية إلى مشكلة التهرب الضريبي، بالإضافة إلى قلة عدد الشرائح وانخفاض النسبة الضريبية المفروضة