ارفض شعبك بيحميك.. "دروز فلسطين" يقاطعون جيش الاحتلال
القدس - سعيد عموري - "بصوت رافض وبغضب ساطع".. سيف وعروة وعمر وغيرهم من الشباب الدرزي، ضمن العشرات شهرياً ممن يرفضون رفع سلاح الاحتلال بوجه اخوتهم الفلسطينيين، ورفضوا ان يقوموا بدور "الجلاد" على حواجز القمع، وفضلوا زنازين الاعتقال على معاداة ابناء جلدتهم، واعلنوا الاستمرار باسم الإنسانية توسيع حملة فض غبار دولة الاحتلال التي اقترن اسمها بهذه الطائفة الفلسطينية.
ويقول الشاب الدرزي سيف ابو سيف من مدينة شفاعمرو بالداخل الفلسطيني ، انه رفض الخدمة في الجيش الإسرائيلي بسبب الوازع الوطني، "كيف لي أن اقاتل أخي العربي الفلسطيني، لا استطيع رفع السلاح بوجه أبناء شعبي".
وأكد سيف أن السبب الرئيس لاتخاذه قراراً كهذا، تشجيع عائلته، وعلى رأس من شجعه والده وأخيه الأكبر سناً، اللذان رفضا سابقاً التجنيد وتعرضا للاعتقال".
تعرض سيف لبعض المضايقات ممن حوله في المدرسة والشارع، وقد تعمد بعض اصدقائه الابتعاد عنه، لكنه أصر على موقفه، قائلا: "عندي انتماء لأرضي، لوطني، كيف لي أن اتجند في جيش احتل هويتي، احتل شعبي".
وضع سيف الصحي حيث يعاني من مرض القلب، وقد أجرى عملية "القلب المفتوح" بعمر 7 سنوات، لم يثن قوات الاحتلال عن سجنه، بل وزجه في الزنازين الانفرادية لنحو 10 أيام بدون اغطية وملابس كافية، في محاولة منهم للضغط عليه لتغيير رأيه، "لكن تأصل الهوية الوطنية في دمائه كان أقوى من محاولاتهم".
بدورها، تمنت والدة سيف ان يتخذ كل شاب درزي موقف نجلها برفض الخدمة الاجبارية، واقول للأهالي ان مستقبل ابنائهم ليس بالجيش الإسرائيلي، مستقبلهم في التعليم وخدمة شعبهم.
وقال سيف: لا استطيع منع أي فلسطيني من الدخول لارضه بالقدس او بالداخل، لا استطيع ان اقف بوجههم على حاجز اسرائيلي، كيف لي ان امنع سوري من الدخول الى ارضه بالجولان! لا لن اخون وطني وشعبي.
وحول الموضوع، يقول المحامي في وزارة شوون الأسرى الدرزي يامن زيدان لـ القدس دوت كوم ان هناك حراكاً ضد التجنيد الإجباري باسم "ارفض.. شعبك بيحميك"، وهو حراك أفراده غير محزبين وغير مؤطرين، ونتعاون في هذا الحراك مع كل من يعمل ضد التجنيد الإجباري في جيش الاحتلال، كما نتشارك مع المبادرات الأخرى التي تعمل على القضية ذاتها، ونحن نحاول منذ نحو نصف عام تنشيط وتنظيم هذا الحراك، ويشارك فيه فلسطينيون من جميع أطياف الوطن من البحر الى النهر". مشدداً على الدور النسوي بالحراك وانه دور اساسي وفعال.
وأضاف: "نسعى لمناهضة التجنيد الإجباري وتوسيع القاعدة الجماهيرية للرافضين للخدمة الإجبارية، نحن نؤمن أن فشل نظام مناهضة التجنيد جاء بسبب تأطير قضية الدروز وعدم شملها لقضايا الفلسطينيين بشكل عام، فرض التجنيد على الدروز ليس لأنهم دروز بل هدفه تفتيت القضية الفلسطينية وضرب الشعب الفلسطيني".
وعن آلية عمل الحراك، قال زيدان إن نشاط الحراك يتمحور حول المقاومة الشعبية بالمظاهرات والمسيرات، بالاضافة الى الجانب التوعوي، حيث نستهدف تجمعات شبابية خارج اطار المدارس، لأننا ممنوعون من ذلك ويعتبروننا "محرضين".
وأضاف: "هدفنا تعليم الشباب الدروز عن تاريخهم الحقيقي وليس الذي يتعلمونه في المدارس، اسرائيل تحاول تجريد الدروز من حبهم لوطنهم ولشعبهم، من حبهم لأرضهم وانتمائهم لهويتهم الحقيقية".
وتطرق زيدان إلى تشويه اسرائيل لعدد من القيادات العربية التاريخية والرموز الوطنية، وخاصة الدرزية منها، التي ناضلت من أجل فلسطين.
وأكمل: "نفكر بالحراك بطريقة واقعية، نحاول ايجاد بديلٍ مناسب للتجنيد الإجباري، من خلال الندوات الفكرية والتوعوية، اسرائيل تستثمر ملايين الشواقل لاستثمار هؤلاء الشباب لصالحها وغسل ادمغتهم، وهي تستغل الحالة الاقتصادية المنخفضة لابناء الطائفة الدرزية".
وأكد على "أننا للانتصار في معركة التجنيد الإجباري نحتاج إلى أجيال متعاقبة ووقت طويل، نحتاج للتخلص من الاحتلال الفكري لعقولنا، نحتاج إلى الشعب الفلسطيني ككل أن يقف معنا، نحن خونا منذ أول يوم فرض علينا التجنيد الإجباري، لم يتم احتضاننا، هذا خطر علينا".
ولدى سؤاله عن نسبة الرافضين بين الشباب الدرزي للتجنيد في جيش الاحتلال، قال زيدان ان نسبة الرافضين دائماً مرتفعة، وحسب مصادر اسرائيلية فأن أكثر من نصف الشباب الدروز يتهربون من الجيش، لكن الجيش نفسه ينكر ذلك ويلعب لعبة الأرقام لاثبات أن النسبة ما زالت قليلة.
ورداً على الأصوات التي تقول أن جيش الاحتلال يخدم طموحات الشباب الدرزي، اوضح زيدان "أن الدروز بعد انهائهم للخدمة، تتم معالمتهم كغيرهم من الفلسطينيين بالاراضي المحتلة، ناهيك عن أن أكبر نسبة أراضي صودرت من قبل حكومات الاحتلال هي تابعة للدروز، 85٪ الى 90٪ من أراضي الدروز صودرت منذ عام 1948، كما ان الأوضاع الاقتصادية والاكاديمية منخفضة جدا بالقرى الدرزية، أين الاهتمام بها رغم ان ابناءها يخدمون بالجيش، الجيش لا يشفع لهم بشيء".
وتطرق المحامي زيدان إلى نبذة تاريخية عن الدروز وفرض التجنيد وبداياته، وقال: "تاريخيا رفض الدروز الخدمة الاجبارية، والرفض لم يبدأ اليوم بل منذ خمسينات القرن الماضي، باستثناء قلة قليلة من الدروز الذي ايدوا هذا القانون حيث منذ سن هذا القانون لم يوافق عليه سوى 16 شخصية من زعماء الدروز، مقابل 3000 توقيع لدروز رفضوا ذلك، الحكومة الاسرائيلية تجاهلت الـ 3000 توقيع واخذت بالـ 16 توقيعاً.
وأضاف: منذ فرض الخدمة الإجبارية على ما اسمتهم اسرائيل بـ "السكان العرب في اسرائيل"، فكان الجو السائد الخوف من الاحتلال الجديد وعدم المعرفة والتخلي العربي الكامل عن الشعب الفلسطيني".
وتابع حديثه: "أيضا مهم جدا ان نفهم الجو السياسي عند دروز فلسطين قبل فرض التجنيد، كانت هناك تيارات مؤيدة للتجنيد وأخرى معارضة له، تلك المؤيدة كانت تستمد قوتها من سلطة الاحتلال وليس من الشعب، فكان من الطبيعي أن يكونوا على خط متوازٍ مع قرارات الاحتلال، لكن لاحقاً اضطرت جهات سياسية ودينية أخرى قبول قرار التجنيد لاستحقاقات سياسية ومصالح هذه الجهات".
وأكمل زيدان حديثه عن أسباب فرض التجنيد على الدورز في تلك الفترة، بقوله "أن الدروز لم يتعد عددهم حينذاك 15 ألف نسمة، فكانوا قوة ضعيفة على كافة المستويات، كما أن الجهل شكل عاملاً أساسيا في ضعف مواجهة قرار التجنيد على الدروز، فلم يكن هناك سوى أكاديميا واحدا في الطائفة الدرزية، كما قامت اسرائيل والزعامات الدرزية المتاوطئة بتهديد بعض القيادات الوطنية التي حاربت التجنيد".
وتابع: "لعب الاسرائيليون على وتر المذهب الطائفي، لفصل ابناء الطائفة الدرزية عن الاسلام والعروبة، وعملوا على زرع فكرة ان الدروز ليسوا مسلمين، وقد نجحوا في ذلك الى حد ما، وهذا ما ساعدهم أيضاً على القيام بمخططهم بتجنيد شباب الطائفة، ولاحقاً اكملوا مخططهم هذا عن طريق المناهج التعليمية".
وأشار زيدان إلى محطة كانت مفصلية في حياة الدروز الفلسطينيين، وهي تشكيل اسرائيل للجنة باسم "شيخترمان" في عام 1973، حيث تأسست في أعقاب المظاهرات التي نظمتها اللجنة العربية الدرزية ضد التجنيد الاجباري التي نجحت بجمع أكثر من 8000 توقيع ضد التجنيد الاجباري، وكانت من أهم قرارات وتوصيات لجنة "شيخترمان" فصل المجالس المحلية الدرزية عن العربية وتخصيص منهاج درزي خاص بالطائفة مختلف عن منهاج المواطنين العرب، ما ادى لتعزيز العنصرية في اوساط فلسطينيي الداخل، وهذه التوصيات طبقت في عام 1976.
"عروة" ابن قرية يانوح الجليلية، انضم هو الآخر لاخوته الرافضين للتجنيد الإجباري، الا أنه فضل التعبير عن رفضه بطريقة مختلفة، فقد بعث رسالةً إلى شمعون بيرس رئيس دولة الاحتلال، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الجيش موشيه يعلون، اوضح فيها لهم أن ضميره لا يجيز له ان يخدم في جيش يحتل ويقمع ويهدم، كما ان عروبته وفلسطينيته وعروبته يمنعانه من القيام بذلك.
وهنا بعض مما ورد بالرسالة التي بعثها عروة:
- أنا الموقع أدناه عروة غالب سيف من سكان القرية الجليلية الشامخة يانوح، ومن مواليد 4.6.1995، استدعيت للمثول في مكتب التجنيد في حيفا بهدف تجنيدي لجيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مرة، ورفضت المثول وللأسباب التالية:
1. انا عربي فلسطيني، الأمر الذي لا يجيز لي لا ضميريًا ولا شرعيًا ولا قانونيًا أن أخدم في صفوف جيش يحتل ويقمع ويهدم ويعمل الموبقات ضد أبناء شعبي الفلسطيني الذي أعشقه وأقدسه.
2. القانون الدولي يمنع حصول هذه الجريمة النكراء التي تفرض تجنيدا قسريا على أي شخص ضد ضميره وبما يتناقض مع انتمائه أو قناعاته، كما حالتي وإخوتي الشباب العرب الدروز، الأمر الذي يُحتِّم عليكم مراعاة هذا الجانب الهام من استحقاقات رفضي للخدمة العسكرية المفروضة المرفوضة على شبابنا العرب الدروز.
3. المشاعر والناحية الإنسانية يشكلان رافدا هاما ومعيارا أساسيا من مجمل حقوق الإنسان، وكوني عربيا فلسطينيا أنتمي إلى مذهب التوحيد، والذي في صلب عقيدتي رفض الفرض عامة والقاضي بتجنيدي بما يتعارض وهذه الانتماءات خاصة، عليه مشاعري وإنسانيتي يُحتِّمان عليَّ رفض هذه الخدمة العسكرية المفروضة، وبالتالي هذا الأمر يُحتِّم عليكم مراعاة هذه المشاعر الشرعية، خاصة وكونكم تدعون أنكم تراعون مثل هذه المعايير المرادفة للديمقراطية والحرية، لا بل هي جزء لا يتجزأ منها، خاصة وأن حالتي الإنسانية هذه ومطلبي الديمقراطي البسيط هذا ليس بالأمر العسير التجاوب معهما، هذا إذا "تفضلتم" وتنازلتم عن مآربكم المتعلقة بسياسة فرق تسد، أو على الأقل راعيتم أبسط معايير الديمقراطية التي تتشدقون بوجودها لديكم.