إلى أين وصلت التحركات الصهيو-أمريكية ضد "الأونروا"؟
اللّاجئون الفلسطينيّون، هم "أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين يونيو 1946 ومايو 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة الصراع العربي - الإسرائيلي عام 1948". كما تُعرّفهم وكالة الأمم المُتحدّة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
عمِلت (الأونروا) مع اللّاجئين الفلسطينيين مذ كان عددهم 750 ألفًا، وعلى مرّ أربعة أجيالٍ متتالية، أصبحت تُقدّم خدماتها لأكثر من خمسة ملايين لاجئ
هذه الخدمات، هي "من حقّ أبناء اللاجئين الأصليين والمُنحدرين من أصلابهم، ممّن يعيشون في مناطق عمليّاتها، وهُنّ خمس: قطاع غزة، الضفة المحتلة، الأردن، لبنان، وسوريا. وتشتمل خدمات الوكالة على التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيّمات والدّعم المجتمعي والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة بما في ذلك في أوقات النّزاع المسلّح". وفق ما توضّحه (الأونروا) في بياناتها التعريفيّة، عبر موقعها الإلكتروني.
تأسست الوكالة بتاريخ 8 ديسمبر 1949، في أعقاب الحرب العربية "الإسرائيلية" بالعام 1948، بموجب القرار رقم (302- رابعًا) من الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئي فلسطين، إلى أن يتم التوصّل لحلّ لقضيّتهم. بدأت العمل مطلع مايو من العام 1950. وكان يفترض أنّ تكون منظّمة مؤقتة، إلّا أنّها تواصل العمل للعام الـ67 على التوالي، بتمويلٍ كامل تقريبًا من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، طوعيًا. ويتم تجديد التفويض الممنوح لها بشكل دوري، أحدثه كان في ديسمبر 2016 لمدّة 3 سنوات، وهي فترة التفويض المُعتادة، بتصويت 167 دولة.
هذا التفويض، وهذه الخدمات، يتم استهدافها على مدار الاعوام السابقة من أجل محاولة شطب صفة اللاجئ الفلسطيني أو الغاء حق عودة اللاجئين، واشتد هذا الاستهداف للأونروا خلال العام الجاري، من قبِل المنظّمات الصهيونية، ومن تُفلحُ بتجنيدهم من جهاتٍ أوروبية وأمريكية. إضافة لمحاولاتٍ حثيثة لتحريف تعريف "اللّاجئ الفلسطيني"، بغرض شطب حقّ الفلسطينيين في العودة، بشكلٍ نهائيّ، وتفكيك وكالة الغوث بالكامل، وما يتبعه من إلغاءٍ لدورها، ومهمّتها في إدامة وجود حقّ العودة، وديمومة أهم ثوابت القضيّة الفلسطينية.
محاولات "خطيرة"
وسعيًا لتحقيق هذه الغاية، حاولت ما تُسمّى "كُتلة الحرية والديمقراطية" اليمينيّة المُتطرّفة في البرلمان الأوروبي، مُؤخّرًا تمرير طلبٍ بحلّ الوكالة، ودمجها مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. لكنّها لاقت فشلًا ذريعًا، بعد رفض ممثّلي الكُتل البرلمانية الرئيسيّة الطلب وتأكيدهم مواصلة حشد الدعم المالي لها حتّى التوصل لحل عادل لقضية اللاجئين. كان ذلك خلال الدورة العاديّة للجمعيّة العامة للبرلمان، التي انعقدت في ستراسبورغ الفرنسيّة، منتصف سبتمبر الجاري.
ورغم هذا "الخبر السارّ" إلّا أنّ دبلوماسيّين اعتبروه "سُرورًا على غَصّة"، نظرًا لخطورة تحرّكات اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي بإدراج طلب تفكيك الوكالة على جدول أعمال الجمعية، وإيصال النقاش حول مُستقبل للأونروا لداخل البرلمان الأوروبي. بادّعاء "فساد الأونروا، وسوء إدارتها للمساعدات المالية الأوروبية، إضافة لتشغيلها فلسطينيين يدعمون العنف ضدّ إسرائيل، واستخدام مدراسها لتخزين الأسلحة". كما قال مسؤول ملف الاتحاد في بعثة فلسطين مُستشار أوّل عادل عطيّة.
عطيّة اعتبر هذه التحرّكات، مؤشرًا خطيرًا على وجود جهود صهيونية جادّة لتصفية قضية اللاجئين "كجزء من استراتيجية إقصاء خيار الدولتين، التي تنتهجها دولة الاحتلال، لصالح مشاريع الضمّ البديلة وطرد الفلسطينيين".
الكتلةُ اليمينيّة ذاتها توجّهت برسالةٍ للمفوضية الأوروبية، احتوت على نفس المزاعم بحقّ وكالة الغوث. لكنّ مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الإنسانية، كارينا كريتو، ردّت بنفي تلك الاتهّامات كُلّيًا، مُؤكّدةً على رفض الاتحاد طلب حلّ ودمج الوكالة، وقالت إنّ "الاتحاد سيستمر في دعمها".
تحرّكات أمريكيّة
محاولات تحقيق الهدف بمسح "حقوق اللاجئين ووكالتهم" بدأت قبل شهور، بتوجيه رسالة، موقّعة من 100 عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي، للأمانة العامة للأمم المتحدة، تُطالبها بعقاب وكالة الغوث، ولجنة حقوق الإنسان واليونسكو بزعم "انحيازها" للحقّ الفلسطيني. أعقبها دعوة صريحة من رئيس الحكومة "الإسرائيلية" بنيامين نتنياهو للأمم المتحدة لحلّ الوكالة، بعد لقائه سفيرة واشنطن لديها نيكي هالي، خلال زيارتها الكيان، في يونيو الماضي، وقد اتّفق الطرفان باتّهام (الأونروا) بالانحياز للفلسطينيين ضدّ "إسرائيل".
نتنياهو قال "قلتُ لهالي إنّه آن الأوان للأمم المتحدة كي تنظر في استمرار عمل الأونروا". مُدّعياً أنّ "تحريضاً واسع النطاق ضد إسرائيل، يُمارس داخل مؤسسات الأونروا، وأن وجودها يُفاقم مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بدلًا من حلها".
أعقب هذا تحرّكات نائبة وزير الخارجية الصهيونية تسيبي حوتوبيلي، في واشنطن، سعيًا "لإعادة صياغة دور وكالة الغوث أو تعديله"، وهو ما أجرت بشأنه مباحثات مع دبلوماسيين من الخارجية الأمريكية، خلال زيارتها الولايات المُتحدّ، مُنتصف الشهر الماضي.
فبعد أن تكشّف فشل عدّة محاولات لحلّ الوكالة، كما أنّ استصدار قرارٍ بهذا الأمر يحتاج لتصويتٍ في الأمم المُتحدة، تُدرك "إسرائيل" أنّه سيصبّ غالبًا في مصلحة الفلسطينيين بالمُحصّل، توجّهت الأنظار الصهيونية إلى مُؤسسات صُنع القرار الأمريكي، للضغط على واشنطن، من أجل استهداف وكالة الأمم المتحدة، عبر وقف تمويلها، مُستغلةً الموقف الأمريكي الصلب تجاه مُنظّماتها.
"التمويل الأمريكي المُقدّم للأونروا يُزاوي رُبع الموازنة الأمريكية"- وفق مصادر "إسرائيلية".
حوتوبيلي أكّدت في لقاءٍ مع نظيرها الأمريكي جون سوليفان "ضرورة تغيير تعريف الأونروا وعملها بشأن قضية اللاجئين وإنهاء دورها تجاههم أو تعديله". كما التقت مسؤولين من الكونغرس وجهات سياسية أخرى، طالبةً منهم "التدخّل بشأن تمويل وكالة الغوث، وقنوات صرف تلك الأموال، وكذلك المناهج الدراسية التي تُشرف عليها".
بماذا تردّ (الأونروا)؟!
بيير كرينبول، المفوض العام لوكالة الغوث، أصرّ على تكرار الردّ، الذي سبق وصرّح به مسؤولون في (الأونروا) بأنّه لا توجد إشارة أو نيّة من الجمعية العامة للأمم المتحدة لحل أو إلغاء الوكالة".
والجمعيّة العامة هي وحدها المُخوّلة بتغيير تفويض أو مهام الوكالة، وفق ميثاق تأسيسها.
المسؤول الأممي، قال في مقابلة مُتلفزة معه بتاريخ 28 سبتمبر الماضي، وبعد تردّد أكثر من نبأ حول التحرّكات التي تُحارب وجود الوكالة، "لن نتنازل عن التفويض الممنوح للوكالة وهو ليس للبيع، وأقول للاجئين الفلسطينيين لا تقلقوا على مصير الوكالة". لافتًا إلى أنّ تجديد الجمعية العامة التفويض الممنوح للوكالة مُؤشر على "ثقتها بالوكالة وأهمّية خدماتها لدعم اللاجئين".
(الأونروا) ليست بديلًا عن حقوق اللاجئين، وهي تشكل تذكارًا يوميًا بفشل المجتمع الدولي في تحقيق العدالة وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. على حدّ قول كرينبول، الذي أضاف أنّ مهمّته "مرتبطة بضمان دعم الأونروا سياسيًا وماديًا كي تستطيع القيام بنشاطاتها".
وسبق أنّ صرّح كرينبول بأنّ الوكالة تمرّ بأزمة ماليّة، إذ بلغت قيمة العجز لديها 126 مليون دولار، مُشيرًا إلى أنّه "إن لم تتوفر هذه الأموال سيكون هناك عجز في تقديم الخدمات"...
ردود فعل فلسطينية
الجهات الفلسطينية الرسمية والفصائليّة تُتابع التحرّكات التي تستهدف شطب حقّ العودة، وتغيير صفة اللّاجئ، إلّا أنّ مُتابعتها لم تخرج من إطار الإدانة والاستنكار.
الحكومة الفلسطينية، وفي جلستها المُنعقدة بتاريخ 12 سبتمبر الماضي، استنكرت الحملة الصهيونية الساعية لتغيير التفويض الممنوح لوكالة الأمم المتحدة، وما سبقه من تصريحات نتنياهو، ومطالبته بتفكيكها ودمجها مع المفوضية السامية للاجئين. وأكّدت الحكومة تمسكّها بحل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفقًا للقرار الأممي (194)، ورفض كل أشكال التوطين. معربةً في الوقت ذاته عن قلقها من "الإجراءات التي تنوي الوكالة اتخاذها، وتقليص خدمات للّاجئين، بحجة الأزمة المالية".
المتحدث باسم اللاجئين في الضفة المحتلة، عماد أبو سمبل، أعلن عن خطوات احتجاجية تصعيدية بعد الإعلان عن الحملة الصهيونية ضدّ الوكالة، داعياً منظمة التحرير الفلسطينية إلى التحرّك للتصدي للمشروع "الاسرائيلي".
سبق هذا، وقفة احتجاجيّة نظّمتها اللّجان المشتركة للّاجئين الفلسطينيين في قطاع غزّة، بتاريخ 6 سبتمبر الماضي، وجّهت خلالها رسالة إلى كرينبول، تُطالبه بأن تتحمّل وكالته مسؤولياتها، وأن تُوفّر الخدمات اللازمة للاجئين وفقًا للوظيفة التي تأسست من أجلها.
متعلقات
خلال عامين.. الاحتلال اعتقل 450 فلسطينيًا بتهم "التحريض عبر مواقع التواصل"
شكري: "لمصر مصلحة في عودة السلطة ومؤسساتها إلى القطاع"
برنار هنري ليفي.. "عندنا" يستقبلونه كنبيّ... وعندهم يضربونه بالأحذية!
بيروت: اعتقال خليّة "لبنانيّة" تعمل للموساد الصهيوني
بضوء أخضر أمريكيّ: السعودية على وشك امتلاك منظومة الدفاع الصاروخي المتطورة "ثاد"