الخميس 28-03-2024

هل تتجه علاقة عباس بواشنطن نحو التعقيد أم التهدئة؟

موقع الضفة الفلسطينية

هل تتجه علاقة عباس بواشنطن نحو التعقيد أم التهدئة؟

يشدّد الرئيس الفلسطيني محمود عباس لهجته تجاه واشنطن بعد اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكن المحللين يتساءلون إلى أي مدى يمكنه الاستمرار في ذلك.
ويتولى عباس البالغ من العمر 82 عاما رئاسة السلطة منذ العام 2005، وهو غالبا ما يتوخى الحذر في تصريحاته وتحركاته، لكنه لم يكن كذلك إزاء القرار الأميركي الأخير الذي أثار موجة من الغضب في الأراضي الفلسطينية والعالم العربي والإسلامي.
وبعد أيام على موقف واشنطن في السادس من ديسمبر، أعلن عباس أنه لن يلتقي نائب الرئيس الأميركي مايك بنس أثناء زيارته التي كانت مقررة خلال الشهر الجاري وأرجئت أخيرا إلى منتصف يناير المقبل.
والجمعة، صعد الرئيس الفلسطيني من لهجته قائلا إنه لن يقبل أي خطة سلام تقترحها واشنطن لأنها "لم تعد وسيطا نزيها في عملية السلام (...) بسبب انحيازها وخرقها للقانون الدولي".
وتتوافق هذه التصريحات مع الموقف الشعبي الفلسطيني الذي يريد أن تكون القدس الشرقية عاصمة الدولة العتيدة. أظهر استطلاع أعده مركز السياسة والدراسات أن 86% من الفلسطينيين يؤيدون قطع العلاقات مع الولايات المتحدة.

لكن عددا من المحللين يرون أن الولايات المتحدة هي الطرف الوحيد القادر على التأثير على إسرائيل ولا سيما على حكومة بنيامين نتانياهو التي تعدّ أكثر الحكومات تشددا في تاريخ الدولة العبرية، وهو أمر تدركه القيادة الفلسطينية.
وإذا كان عباس أرسل مبعوثين إلى روسيا في ما يبدو أنه بحث عن دعم بديل عن الولايات المتحدة، فإن إسرائيل تعلم أنها لن تنال دعما كالذي تناله من واشنطن، وبالتالي فمن المستبعد جدا أن تقبل بأي وسيط آخر.
وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش يرى أن تجديد وتأكيد الدعم الدولي للقدس الشريف يضعان القضية الفلسطينية في صدارة الاهتمام العالمي.
وشدد قرقاش، من خلال تغريدة على حسابه بموقع تويتر، على أن الأمر المهم حالياً هو تغليب العمل السياسي الفاعل على محاولات التهييج والاستغلال، مشيرا إلى أن الدور الأهم في تلك القضية يجب أن يكون فلسطينياً وعربياً.
من المخاطر التي تلوح في الأفق القريب أمام الفلسطينيين، فقدان جزء من المساعدات الأميركية البالغة 400 مليون دولار سنوياً.
وتحدت أكثر من 128 دولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرار يدعو الولايات المتحدة إلى سحب اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل. وهدد ترامب بقطع المساعدات المالية عن الدول التي تصوت لصالح القرار.
يوشك عباس أن يجد نفسه عالقا بين هذا الواقع، وبين الرأي العام الفلسطيني الذي يرى أن التعاون مع الولايات المتحدة في عملية السلام لم يحقق شيئا.
وأظهر استطلاع حديث نشره المركز الفلسطيني أن 70% من الفلسطينيين يريدون استقالة عباس.
وأدى مقتل تسعة من الفلسطينيين بين السادس والحادي عشر من ديسمبر في مواجهات مع القوات الإسرائيلية وغارات على قطاع غزة ردا على إطلاق صواريخ، إلى زيادة الضغوط على عباس.

ويرى عوفر سالزبرغ، الباحث في مجموعة الأزمات الدولية أن عباس قد يحاول على الأرجح "تعزيز الموقف الدولي الرافض للموقف الأميركي، وقد يرفض أي مفاوضات في ظل عدم وجود وسيط حيادي".
ويقول سالزبرغ "يرى عباس أن ذلك هو الخيار الأقل سوءا". لكن ثمن ذلك قد يكون باهظا، وفقا للباحث، إذ إنه من دون واشنطن لن تكون هناك عملية سلام.
من جهتها، ترى نادية حجاب، مديرة شبكة الدراسات الفلسطينية أن على الرئيس الفلسطيني أن يحصل على تنازلات مهمة "كي يحافظ على ماء الوجه".
وتقول "الشيء الأهم هو أن تتراجع الولايات المتحدة عن قرار الاعتراف بالقدس (عاصمة لإسرائيل) لكن لا أظن أن ترامب سيفعل ذلك".
ويقول الكاتب غرانت روملي، مؤلف كتاب عن عباس، إن القادة الفلسطينيين يدركون تماما "في أعماقهم أنهم بحاجة إلى الولايات المتحدة في وقت ما".
ويضيف "في حسابات ترامب، سيعود الفلسطينيون في وقت ما إلى طاولة المفاوضات".
ومن المخاطر التي تلوح في الأفق القريب أمام الفلسطينيين، فقدان جزء من المساعدات الأميركية البالغة 400 مليون دولار سنويا. فالكونغرس يناقش الآن مشروع قانون يشترط على السلطة الفلسطينية، مقابل الحصول على هذا الجزء، أن تتخلى عن مساعدة عائلات الذين يسقطون في عمليات ضد "الإسرائيليين".
ويعرب عباس منذ سنوات عن معارضته لهذا الشرط، وهو يدرك أن أي قرار بوقف هذه المساعدات سيكون له أثر سيء جدا لدى الرأي العام الفلسطيني الذي يرى أن هذه العمليات تندرج في إطار المقاومة المشروعة ضد الاحتلال.

في الوقت نفسه، تتسارع وتيرة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة وهي تقضم الأراضي التي يمكن أن تقوم عليها يوما ما الدولة الفلسطينية المنشودة.
إزاء ذلك، ليس أمام عباس سوى رفع عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين، من دون أن ينتظر نتيجة مفاوضات السلام التي تبدو بعيدة، رغم أن ذلك قد لا يغيّر كثيرا ما يجري على الأرض في الضفّة الغربية المحتلة.

انشر المقال على: