الخميس 18-04-2024

مجزرة دير ياسين: وثائق وشهادات لأول مرة

موقع الضفة الفلسطينية

مجزرة دير ياسين: وثائق وشهادات لأول مرة

[دير ياسين قرية فلسطينية غربي القدس، ارتبط اسمها بمذبحة مروعة نفذتها العصابات الصهيونية ضد القرية الفلسطينية، حيث أعدم حسب المصادر العربية والفلسطينية من 250 -360 فلسطينيا، بينما لايتجاوز الرقم في المصادر الغربية 110، وقد حاولت العصابات الصهيونية اقتحام القرية في الساعة الثالثة من فجر التاسع من أيلول عام 1948 وجوبهت ببعض المقاومة من القرويين الفلسطينيين، وقتل 4 من المهاجمين، وسرعان ما تمكن العدو من اقتحام القرية ونفذ فيها مجزرته البشعة، ولم يكتفي بالاعدامات الجماعية الميدانية بل تم اخنطاف بعض الفلسطينيين الأحياء ليعرضوا في المستعمرات الصهيونية، ووصف أحد الصحفيين المجزرة " "إنه شئ تأنف الوحوش نفسها ارتكابه لقد أتوا بفتاة واغتصبوها بحضور أهلها ،ثم انتهوا منها وبدأوا تعذيبها فقطعوا نهديها ثم ألقوا بها في النار "، ورغم أن المجزرة وثقت بشكل ممتاز من قبل الفلسطينيين ومؤرخيهم إلا أن الرقابة الصهيونية ما زالت مفروضة حتى اليوم على الوثائق المتعلقة بتلك الوقائع وفي هذا التقرير الذي نشرته هآرتس وقائع وتفاصيل وشهادات جديدة بعضها من مرتكبي المجزرة شخصيا - المحرر]
في شهادات جديدة جمعت من أجل فيلم وثائقي، عادت مذبحة دير ياسين للظهور من جديد في الوعي الصهيوني، بعد 70 عاما من أحدائها المروعة وإن لم تكن غابت أبداً عن وعي الفلسطينيين، وذكريات فجيعتهم.
وفي إطار التحضير لفيلم وثائقي جديد، تم الكشف عن وثائق- شهادات جديدة تتعلق بما حصل، وبعض هذه الوثائق خاضع لرقابة الدولة الصهيونية حتى هذا اليوم ولم يتم الكشف إلا عن جزء منها، وبشكل جزئي أيضا.
قبل عامين، تم إعادة نشر وثيقة مكتوبة بخط سيء، كتبها عضو سري في ليحي، وتم حفظها في أرشيف جمعية " الحفاظ على التراث" وهي دراسة كتبها الصهيوني يهودا فيدر، وكان اسمه الحركي (جيورا) واعترف فيها "إن حركتنا نفذت عملية واسعة النطاق على طريق القدس –تل أبيب في قرية دير ياسين وبالتعاون مع منظمة الأرغون".
تفصل الرسالة دور (جيورا) هذا في المجزرة، "قتلت رجلا مسلحا عربيا أطلق النار علي وفتاتان عربيتان تتراوح أعمارهما بين 16 و 17 عاما، ساعدتا العربي مطلق النار". ، تم اعدام الفتاتين بمدفع رشاش من طراز"تومي غن".

ويعترف جيورا بعمليات النهب التي نفذها الصهاينة وقام بها مع أصدقائه بعد احتلال القرية " صادرنا الكثير من من المال و الذهب والفضة والمجوهرات". ويختم رسالته – الوثيقة بعبارة: "لقد كانت عملية عظيمة حقا، واليسار لايشوهنا من جديد بدون سبب" .
هذه الرسالة هي واحدة من الوثائق التاريخية التي كشفت في فيلم وثائقي جديد بعنوان "ولد في دير ياسين" من للمخرجة نيتا شوشاني، التي كرست السنوات القليلة الماضية لتحقيق تاريخي شامل لمجزرة دير ياسين.
عرضت شوشاني على جريدة هآرتس الشهادات التي جمعتها في هذه القضية، وهي نتاج حفريات أرشيفية واسعة إلى جانب مقابلات معمقة مع المشاركين الأخيرين في الجريمة ممن لازالوا على قيد الحياة، وبعضهم قرر كسر صمته الذذي استمر لعقود وأحيانا يتحدث البعض منهم ؟لأول مرة أمام الكاميرا.
بدأ الهجوم على القرية الفلسطينية صباح التاسع من أبريل / نيسان كجزء من عملية نحشون، في إطار محاولة اقتحام القدس، ونفذها 130 جنديا صهيونيا من عصابتي (إرغون) و (ليحي) بمساعدة من الهاغاناة، حيث ووجه الجنود بمقاومة شرسة وتقدموا عبر المنازل التي ضربوها بسكانها بالقنابل اليديوة وقاموا بتفجيرها، وقتل في العملية أربعة جنودوجرح العشرات، ولكن تم تصفية 110 من الفلسطينيين من سكان القرية معظمهم من النساء والأطفال.
قاد العملية –المجزرة يهوشوا زيتلر قائد منظمة (ليحي) في القدس في ذلك الوقت ، وتسنى لشوشاني الاستماع إلى شهادته المباشرة، قبل أسابيع من وفاته عام 2009، واصفا هروب الفلسطينيين العزل من منازلهم "كانوا مثل القطط" وأضاف " لن أقول لكم أننا كنا هناك مع قفازات الحرير ... منزل بعد منزل ... وضعنا المتفجرات وهم يهربون ... انفجار وراء انفجار وفي غضون بضع ساعات، اختفى نصف القرية"
كما قدم زيتلر وصفا قاسيا لحرق الموتى بعد احتلال القرية. وقال "كانت هناك بعض الأخطاء التي ارتكبها رجالنا رجالنا، وأنا غاضب، ولماذا فعلوا ذلك". وأضاف " جمعوا القتلى وجعلوهم على شكل كومة وأحرقوهم، انها ليست بهذه البساطة".
شهادة أخرى شاهدة قدمها لشوشاني في التحقيق شخص يدعى ( جيهون) ، كان ضابط المخابرات في الهاغانا، وأرسل إلى دير ياسين في نهاية المعركة: "اعتقدت أنها تشبه قليلا ( مذبحة)" وززعم جيهون الذي توفي قبل عام " إنها ليست مذبحة، حتى لو كان هناك مئات القتلى" مشبها ما حدث باقتحام "القوزاق للأحياء اليهودية" في روسيا في القرن التاسع عشر. وأضاف يقول "انطباعي عن المجزرة شيء آخر".
وقال يائير تزابان، وهو عضو سابق الكنيست ووزيرسابق لميريتس، لشوشاني إنه بعد المذبحة، أرسل مع أصدقائه إلى لدفن الموتى. واضاف إن "الأساس المنطقي هو أن يصل الصليب الأحمرفي أي لحظة وكان علينا دفن الأدلة والتخلص من الآثار لأن نشر الصور كان سيضر كثيرا بصورة حرب الاستقلال".
وزعم "رأيت عددا قليلا من الجثث". "أنا لا أتذكر جثث رجال مقاتلين، أتذكر أساسا النساء وكبار السن". شهد تزابان أنه رأى سكانا أصيبوا برصاصة في مؤخرة عنقهم، ورفض ادعاءات بعض المشاركين في العملية، والتي أفادت بأن القتلى أصيبوا في تبادل إطلاق النار. وقال "إن رجلا مسنا وامرأة جالسة فى زاوية الغرفة، تواجه الجدار، تم إطلاق النار عليهما فى مؤخر الرقبة". وأضاف "لا يمكن أن تكون نتاج معركة، وبأي شكل من الأشكال".
وقد تحدث لاحقا المؤرخ الصهيوني بني موريس عن تداعيات المذبحة في كتابه"الضحايا" وقال إنها تسببت في تداعيات كثيرة. وأدانتها الوكالة اليهودية، والحاخامات الرئيسيون ورؤساء الهاغاناه. استخدمها اليسار لضرب اليمين. في المقابل، كانللجريمة في دير ياسين عواقب سياسية وديموغرافية بعيدة المدى: بعد ذلك، "حدث تهجير جماعي للعرب من بلداتهم".
لاحقا أنشأ الكيان الصهيوني مستشفى "كفار شاؤول" للصحة النفسية على أرض دير ياسين وبيوت الفلسطينيين هناك التي لم يتم تفجيرها أصبحت جزءا من أبنية المستشفى، وتشير شوشاني إلى صعوبة العثور على صور حقيقية للمجزرة "على الإنترنت توجد صور تبدو وكأنها أخذت في دير ياسين، ولكنها من صبرا وشاتيلا"، وأضافت: "في أرشيف جيش الدفاع الإسرائيلي، تم السماح لي لنشر صور المقاتلين أنفسهم من دير ياسين"، وتظهر سلسلة من الصور تظهر مسلحي إيتسيل وليحي.
وتقول شوشاني أن المسؤولين أوضحوا لها أن نشر الصور قد يضر "بالعلاقات الخارجية للبلاد" و "كرامة الموتى". وفي عام 2010، بعد أن فحص القضاة الصور، رفضوا الالتماس برفع الحظر وقد تمكنت شوشاني في الوقت نفسه من وضع يدها على الصور الأخرى المتعلقة بالمذبحة، بما في ذلك سلسلة من الصور توثق الأطفال الأيتام الذين قتل آباءهم في دير ياسين.
ثمة جدل كبير في الأوساط الصهيونية حول المذبحة وبعضها لاتريد الاعتراف بحدوثها بعد سبعين عاما على الوقائع، حيث يزعم المؤرخ الصهيوني أوري ميلشتاين، الذي يدرس "حروب إسرائيل" أنه لم تكن هناك أي مجزرة، وفي العديد من منشوراته يدعي أن هذا "أسطورة كاذبة" و "فرية دم".
مذبحة دير ياسين هي واحدة من سلسلة عمليات قام بها أعضاء العصابات الصهيونية بقتل المدنيين الفلسطينيين العزل، لعل أشهرها أيضا مذبحة كفر قاسم والتي حدث عام 1956، وقتل حوالي 50 مواطنا فلسطينيا على يد حرس الحدود الصهيوني و كما هو الحال بالنسبة لدير ياسين، لا تزال المواد المحفوظة عن كفر قاسم تخضع للرقابة.

انشر المقال على: