الجمعة 29-03-2024

الهجرة اليهودية الى فلسطين والهجرة العربية الى اوروبا

محمد محفوظ جابر

الهجرة اليهودية الى فلسطين

والهجرة العربية الى اوروبا

 محمد محفوظ جابر

يتضح من استطلاع أجراه  مؤخرا معهد أبحاث بريطاني "المعهد الملكي للشؤون الدولية"  أن هناك أغلبية في 8 دول من بين 10 في الاتحاد الأوروبي تعارض هجرة المسلمين القسرية إلى أوروبا . وقد شارك أكثر من 10,000‏ مواطن من بولندا، هنغاريا، بريطانيا، النمسا، إيطاليا، فرنسا، إسبانيا، اليونان، ألمانيا، وبلجيكا في الاستطلاع. وفق المعطيات، فإن الغالبية التي تعارض المسلمين هي في بولندا (‏71%‏)، ألمانيا (‏53%‏)، بريطانيا (‏47%‏)، وإسبانيا (‏41%‏).علما بأن اوروبا هي مصدر الهجرات الى امريكا واستراليا والى فلسطين وغيرها،وان العرب الذين يهاجرون اليوم اتت هجرتهم القسرية بسبب المشروع الامريكي الصهيوني المدعوم من اوروبا باعادة تقسيم ما يسمونه الشرق الاوسط ،ويجب ان يتحملوا نتيجة عملهم .

ان الهجرة البشرية من مكان لاخر هي احد اساليب الانسان في البحث عن الحياة الافضل على مر العصور ، بل ان الهجرة ساهمت في بناء حضارات عديدة في انحاء العالم . ولا اعتراض على الهجرة انسانيا الا اذا تخطت الخطوط الحمراء في هدفها لتصبح اعتداء على حقوق الانسان السياسية والمدنية في وطنه واداة لضرب مصالح المواطنين اصحاب البلاد المستهدفة من الهجرة . وقد اجتاحت اوروبا في فترة سابقة من بداية القرن موجة من العنف ضد المهاجرين كانت نتائجها عمليات قتل وحرق منازلهم واعتداءات بالضرب خاصة في المانيا.

وقد اكد الكاتب البريطاني باتريك سيل انه " لايكاد يمر يوم دون ان تكون هناك رواية فظيعة في الصحافة حول المهاجرين الى اوروبا " اضافة الى المطاردة وعمليات الاعتقال والطرد من البلاد التي وصلوها سالمين ، اذ ان بعضهم يتعرض للموت غرقا او غير ذلك قبل ان يصل بطريقة او اخرى ، وهناك من يتعرض للابتزاز من عصابات المافيا التي تقوم بنقله . واما وزير الخارجية الايطالي (سابقا) اينزو بيانكو فقد ناشد قائلا":" من الضروري القيام بتحرك فاعل لمكافحة الهجرة غير الشرعية وكذلك الجريمة المرتبطة بها " وطالب اجهزة امن الاتحاد الاوروبي للتعاون معا لمنع الهجرة. وتشهد الولايات المتحدة احتجاجا" على حركة الهجرة اليها خاصة ضد المكسيك ولاسباب اقتصادية بحته .واليوم يجدد رئيس الولايات المتحدة ترامب (المهاجر من اسكتلاندا الى الولايات المتحدة) موقف بلاده من هجرة العرب والمسلمين الى الولايات المتحدة وكذلك فعل الاتحاد الاوروبي .

هذا الاحتجاج بشقيه العنيف والسلمي ايضا يمارسة اهالي البلاد التي يدخلها المهاجرون دون موافقة منهم لانهم يربكون حياتهم ويقلقون راحتهم ، فماذا لو كانوا يسلبون وطنهم و يهدمون حضارتهم ليقيموا وطنا جديدا بحضارة جديده ؟ اذن ،

اليس من حق الشعب الفلسطيني خاصة و الامة العربية عامة ان تقاوم الهجرة اليهودية التي ادت الى ضرب المصالح العربية وتدمير الاقتصاد العربي ، وهل منع الهجرة هنا هو اعتداء على حقوق الانسان بينما تشريد وطرد الشعب الفلسطيني من وطنه واحلال المهاجرين اليهود مكانه ليس انتهاكا لحقوق الانسان ؟   ولماذا يحق لاوروبا وامريكا ان تمنع الهجرة اليها ولا يحق للعرب ان يمنعوا الهجرة اليهودية الى فلسطين؟

اليست صياغة " قومية جديدة " فوق ارض وطن هو جزء من الوطن العربي وينتمي للقومية العربية بعد تهجير شعبه هو العدوان بذاته ؟

ان رفض العرب للهجرة اليهودية الى فلسطين ، ليس من منطلق انتهاك حقوق الانسان بل من منطلق الحفاظ على حقوق الانسان التي تجري الهجرة اليهودية من اوروبا وامريكا وغيرها منتهكة حقوق الانسان العربي بموافقة جميع الاجهزة الرسمية وبترتيب معهم  لانها هجرة على حساب حقوق الشعب الفلسطيني ،لذلك تفقد اعتبارها كهجرة انسانية ، وكذلك يأتي رفض الهجرة اليهودية الى فلسطين لانها تقف ورائها حركة سياسية عالمية هي الحركة الصهيونية ذات الاهداف السياسية والاقتصادية أي انها ليست هجرة طبيعية طوعية بل ناجمة عن ضغوط صهيونية لانجاز المشروع الصهيوني على ارض فلسطين اولا ،ليمتد الى اجزاء اخرى في الوطن العربي ثانيا" حتى يستكمل المشروع بالسياده الصهيونية من النيل الى الفرات.

          هذه الهجرة اليهودية التي بدات عام 1881م اثر محاولة اغتيال قيصر روسيا و التي قدرها القنصل الامريكي حسب تحرياته مع الدوائر اليهودية ( سبعة الاف مهاجر ) وقد جرت عمليات الهجرة هذه في ظل الاحتلال العثماني لفلسطين الذي لم يضع حدا لها رغم اصداره قانون في سنة 1881 م يمنع هجرة اليهود الى فلسطين و يمنع عليهم شراء الاراضي فيها . وكذلك رغم اصدار الباب العالي امرا في سنة 1893 م يحرم على اليهود شراء الاراضي في فلسطين .اذن كيف حدثت الهجرة اليهودية خلال فترة الحكم العثماني والقرارات الرسمية تحرم ذلك ؟

يجيب المؤرخون على ذلك ان الرشوة و الفساد بالاضافة الى تدخل الديبلوماسية البريطانية و الامريكية كانت وراء تلك الهجرة .ولا يخفى على احد دور تلك الدول الاستعمارية ، حيث ورد في الوثائق البريطانية مايلي :-

اولا": ان ادارة فلسطين مكلفة بمقتضى المادة السادسة من صك الانتداب " بتسهيل هجرة اليهود في احوال ملائمة مع ضمان عدم الحاق الضرر بحقوق و وضع جميع فئات الاهالي الاخرى !!" .

ثانيا": الكتاب الابيض الصادر في 1922م رقم 1700 و الذي ورد فيه ان تنفيذ سياسة انشاء وطن قومي لليهود " من الضروري ان تتمكن الطائفة اليهودية في فلسطين من زيادة عددها عن طريق المهاجرة".

هكذا ينصح الاستغلال الاستعماري للانتداب البريطاني للقيام بتسهيل الهجرة اليهودية تمهيدا لاقامة المشروع الصهيوني على ارض فلسطين باعلان الدولة "اسرائيل" سنة 1948م.

بل ان بريطانيا اصدرت قانونا للهجرة في ايلول 1920م واعترفت رسميا بالوكالة اليهودية التي ادارت عمليةالهجرة ، مما اعطى الهجرة اليهودية شرعية وسندا بصفتها الحاكم المنتدب من قبل " عصبة الامم " وقد اعتمدت الحركة الصهيونية على حكومة الانتداب البريطاني لمساندتها في حيازة الاراضي واقامة المستوطنات الاستعمارية فوقها استنادا الى صك الانتداب والقوانين التي فرضتها على العرب لتضييق الخناق عليهم وعلى املاكهم ومنعهم من التوسع واعطاء المجال لليهود بتشييد المستوطنات بعضها الى مدن نتيجة استيعاب المهاجرين اليهود. وهؤلاء المهاجرين هم الذين اقاموا الدولة الصهيونية على ارض فلسطين عام 1948م.

لقد قال ناحوم جولدمان " ان الحركة الصهيونية ستثبت او تنهار حسب مدى نجاح الهجرة انه التحدي التاريخي ". ان هذه الرؤية الواضحة لاهمية الهجرة اليهودية الى فلسطين بالنسبة للصهيونية تتطلب منا رؤية واضحة لخطورتها على شعبنا وعلى الامة العربية والوطن العربي فالهجرة اليهودية الى فلسطين هي احدى الحلقات المركزية الثلاثي في المخطط الصهيوني لاقامة دولة اسرائيل الكبرى وهذه الحلقة تمسك بحلقتين لا تقلان اهمية عنها : الاستيطان و التوسع فالهدف الصهيوني هو اقامة دولة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات و دون الهجرة اليهودية لا يتحقق هذا الهدف .

ولابد من الاستقرار الذي اخذ طابع الاستيطان الاستعماري في فلسطين كنقطة انطلاق الى الوطن العربي . وهكذا بدات عملية الاستيطان للمهاجرين اليهود باقامة المزارع الاستيطانية استنادا الى قرار الحركة الصهيونية العالمية في مؤتمر بال في سويسرا 1897م :" تشجيع استيطان العمال الزراعيين و الصناعيين اليهود في فلسطين وفقا" لخطوط مناسبة .

ان هذه الهجرة التي لم تتوقف منذ ان بدأت وحتى الان قد خلقت على ارض الواقع صراعا على الوجود لايمكن ان يتوقف لان ذلك لا يتوافق مع مسار التاريخ ولان رضوخ الامة العربية لسيادة المهاجرين هو عكس مسار التاريخ ولن يحسم الصراع الا ضمن مساره . ولادراك الصهيونية لهذا المفهوم التاريخي زجت بكل قواها لإنجاح المشروع مركزة كل امكانياتها بأن تفرض على العرب القبول " بالقومية اليهودية " متناسية ان فلسطين جزء من الوطن العربي .

واذ نستشهد ببعض اقوال احد زعماء صهاينة لا يعني حصرها فقد عرف بن غوريون الايديولوجية الصهيونية بكلمة واحدة :" الهجرة " ،الفكر الصهيوني اذن مبني عليها وفي استخدام ديني مضلل قال بن غوريون : اليهودي الذي لا يهاجر كافر بالله و التوراة و التلمود وبذلك اصدر صك الغفران لمن قبل الهجرة وكفر من رفضها وفي اطار الحفاظ على الكيان الصهيوني قال : " ان بقاء اسرائيل يعتمد فقط على توفر عامل هام واحد وهو الهجرة الواسعه الى اسرائيل ".

اذن الشريان الرئيسي الذي يغذي اسرائيل بالبقاء على قيد الحياة هو الهجرة اليها وقطع هذا الشريان يعني اضمحلالها ، ومن اجل استمرار ضخ الدم في قلب "اسرائيل" لابد من استمرار تدفق المهاجرين ولان الاستجابة اليهودية حتى الان لم تلب الطموح الصهيوني اذ ان خمسة ملايين يهودي موجودين في "اسرائيل" الان مقابل عشرة ملايين يهودي  مستقرين في انحاء مختلفة من العالم لذلك قبلت الصهيونية بهجرة اجناس اخرى مختلفة لمجرد  استعدادهم ليكونوا جنودا مدافعين عن "ارض الميعاد " .

وذلك لصنع الاحتلال الديموغرافي في فلسطين للهيمنة في الصراع ضد الوجود العربي وقد ثبت ذلك من الحقائق حول المهاجرين من الاتحاد السوفياتي سابقا" وكذلك الفلاشا الذين يعانون من الاضطهاد العنصري بسبب لونهم ،حيث كانت نسبة غير اليهود بين المهاجرين قد وصلت 20-30% خاصة وان مسالة من هو اليهودي لم تحسم رغم مرور68 عاما تقريبا على اعلان قيام الدولة الصهيونية .

وفي سياق احداث الخلل الديمغرافي تبنت الحركة الصهيونية فكرة " الترحيل " للشعب الفلسطيني من وطنه ليحل المهاجرون اليهود مكانهم .وقد بدات الفكرة بافتراض ان لا وجود للشعب الفلسطيني وبذلت الصهيونية جهودا" كبيرة لحث بريطانيا على ترحيل الفلسطينيين العرب وقد قدم حاييم وايزمان عام 1930م اقتراحات الى مسؤولين بريطانيين يدعو فيه لذلك . وكان قد عبر عن ذلك امام الاتحاد الصهيوني الانجليزي عام 1919 حيث قال: " عندما اقول وطنا قوميا يهوديا فانني اعني خلق اوضاع تسمح لنا بان يدخل اليه العدد الوفير من المهاجرين وان نقيم في نهاية الامر مجتمعا" في فلسطين بحيث تصبح فلسطين يهودية كما هي انكلترا انكليزية او امريكا امريكية ".فالوجود اليهودي مبني على عدم الوجود العربي.

من الواضح ان خطر الهجرة اليهودية الى فلسطين هو اكبر بكثير من خطر الهجرة العربية الى اوروبا وان وقف الهجرة اليهودية يجب ان يأخذ الاولوية الدولية ولن يتم ذلك بدون رؤية عربية موحدة تجاه الخطر الصهيوني على الامة العربية.

انشر المقال على: