الخميس 28-03-2024

استكمال التحول الفاشي الصهيوني: كود "أخلاقي" لحصار الأكاديميين

موقع الضفة الفلسطينية

استكمال التحول الفاشي الصهيوني: كود "أخلاقي" لحصار الأكاديميين

في سياق التحولات اليمينية الفاشية للكيان الصهيوني، وبعد إحكام سيطرته على محكمة العدل العليا وسلسلة القوانيين العنصرية المقيدة والتي استهدف بالأساس المواطنين الفلسطينيين، والداعمين للحقوق الفلسطينية من حركات وأفراد، هاهو اليمين الصهيوني يخطو خطوة أخرى لحصار وتكبيل المستوى الأكاديمي عبر وثيقة متطرفة أمر بإصدارها الوزير نفتالي بينت، وكتبها البروفيسور آسا كاشير بعنوان (كود أخلاقي للسلوك اللائق بالمجالات المتداخلة للنشاط الأكاديمي والنشاط السياسي ) وتستهدف منع المحاضرين والأكاديميين من الادلاء بآرائهم السياسية في اطار النشاط الجامعي والمحاضرات.
وزعم كاشير في بداية الوثيقة أن "القواعد الموصى بها فيما يلي تعكس السلوك اللائق ولا تحمل أية دلالات حول الوضع القائم" وهذا نفس الادعاء الذي أدلت به وزيرة العدل إيليت شاكيد وأعضاء الكنيست أًصحاب "قانون الجمعيات" الذي أعلن نتنياهو اليوم سعيه لتشديده، والهدف من الوثيقة الجديدة كما يقول معارضوها تقييد الحق بالحرية الأكاديمية وتحديدا استهداف "الأكاديميا اليسارية".
ونذكر أن كاشير له تاريخ مشين في هذا السياق حيث قام بصياغة ما يسمى "الكود الأخلاقي" لجيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسمح بتنفيذ عمليات قتل واسعة النطاق في الحروب والعمليات العسكرية التي تشنها أو تخوضها إسرائيل.
وقبل بينيت كان الوزير السابق جدعون ساعر أصدر تصريحات متطرفة حول وجوب ملاحقة ونزع شرعية الباحثين والاكاديميين الداعين إلى مقاطعة الأكاديمية الإسرائيلية، وعن نيته البحث بشكل جدي بقضية التقرير الذي قدمته جمعية " ام ترتسو" ونظيراتها اليمينيات: " مونيتور الاكاديمية الاسرائيلية" و " رابطة البروفيسوريين للمناعة السياسية والاقتصادية" حول النزعة اليسارية النقدية لمواد التعليم في كليات العلوم السياسية في الاكاديميات الاسرائيلية.

بالطبع فحملة "صيد الساحرات" التي ينفذها اليمين الصهيونيي ضد الأكاديميين المستقلين والمؤيدين للحقوق الفلسطينية لها تاريخ طويل ولعل أبرزها ما تعرض له المؤرخ إيلان بابه، الذي غادر فلسطين المحتلة نهائيا إثر مؤلفاته حول التطهير العرقي الذي مارسته العصابات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، ولكن قضية المحاضر الجامعي تيدي كاتس تظل حاضرة أيضا في هذا السياق حيث تعرض لحملة شرسة إثر أطروحته حول مجزرة الطنطورة، فتعرض لهجوم شرس وملاحقة قضاية من قبل جنود في لواء اسكندروني الذي نفذ المذبحة وحرم كاتس من لقب باحث وأشيع أنه أجبر على التراجع عن أطروحته ولكن هذا يفقتقر إلى الدقة حيث أدلى لاحقا بأقوال وتصريحات تؤكد ما ذهب إليه.
وبالعودة إلى الوثيقة الجديدة، تسمح الوثيقة للسلطة الحاكمة وللسلطات الجامعية باستغلالها لقمع أي تعبير أو نشاط سياسي لا يروق لهم. فـ"كل نشاط ينم عن تأييد مباشر لموقف معين حيال جدل جماهيري معروف يتم التعبير عنه بشكل مستمر في الكنيست والخطاب العام وله علاقة واضحة بحزب أو أحزاب، في الكنيست أو خارجها، أو معارضة مباشرة لهذا الموقف بشكل صريح."
وفي الوثيقة يجيز كاشير، أخلاقياً وعملياً، ما تحلم به منظمات اليمين التي تحاول تقليص الحرية الأكاديمية- وخاصةً “ام ترتسو” و”مرصد الأكاديميا الإسرائيلية”- منذ سنوات: بحسب الكود الأخلاقي سيضطر المحاضر إلى التجاوب مع طلب احد الطلاب لتوضيح أقواله التي تبدو للطالب كنشاط سياسي وبين فرع المادة الأكاديمية ومنهاجها. أي أن المحاضرين سيضطرون من الآن وصاعداً أن يشرحوا، أو يعتذروا، في كل مرة يطلب منهم أحد الطلاب أن يوضحوا لماذا لا تعتبر أقوالهم نشاطاً سياسياً وأن يفسروا كيف ترتبط هذه بمحتوى المادة الأكاديمية، وسيكون على “عضو الهيئة التدريسية القيام بذلك بشكل موضوعي، مفصل ومؤدب أو أن يعترف بخطئه”.

ويشير المنتقدون إلى أنه على الضد من مزاعم كاشير فإن الحق في حرية التعبير المدمج في الدستور الأمريكي يجيز النشاط السياسي في الحرم الجامعي، بينما الكود الأخلاقي الذي ألفه كاشير يسمح للمؤسسة الأكاديمية أن تمنع النشاط السياسي للطلاب في الحرم، الأمر الذي قد لا يكون قانونياً أساساً. تعليمات أخرى تمس بالحرية الأكاديمية تتعلق بالمنع الذي يسري على المحاضرين ليس فقط فيما يتعلق بتأييد المقاطعة الأكاديمية ومطالبة الآخرين بتأييد المقاطعة إنما أيضاً بانتقاد سلوك الجامعة التي يعملون فيها.
كاشير لا يكتفي بتنظيم سلوك المحاضرين داخل الحرم انما يوسع النطاق ليشمل نشاط المحاضرين خارج الأكاديميا بحيث يتوقع منهم "اظهار رباطة جأش لائقة". مرة أخرى، لا توجد لصاحب العمل صلاحية للتدخل في حرية تعبير العامل خارج مكان عمله.
ويعد "مرصد الأكاديميا الإسرائيلي" نموذجا بارزا للروابط المهددة للحريات الأداديمية وملاحقة الأكاديميين المناوئين وقد وضع له هدفاً وهو «الكشف عن أكاديميين «إسرائيليين» متطرفين يسيئون استغلال الحرية الأكاديمية للعمل من أجل حرمان «إسرائيل» من حقها في الوجود كدولة يهودية».
وبحسب التحقيق الذي أجراه أوري بلاو في هآرتس فإن «مرصد الأكاديميا الإسرائيلي» أنشئ رسميا في العام 2012 (بالرغم من أنه كان يعمل قبل ذلك بسنوات) على نمط المنظمة اليهودية الأميركية اليمينية المتطرفة المسماة Campus Watch والتي أنشأها البروفيسور دانييل بايبس. ويضم المرصد «الإسرائيلي» بين مؤسسيه شخصيات يمينية متطرفة مثل البروفيسور إيلي بولاك والمستشرق مردخاي كيدار. والتهمة الجاهزة لدى المرصد ضد من يشك في ولائهم هي «معاداة الصهيونية».
وتنتهج الروابط الفاشية المعادية للحريات جنبا إلى جنب مع الحكومة الصهيونية عددا من الأساليب للحد من الحرية الأكاديمية عبر التدخل المباشر وغير المباشر و بالاضافة إلى قضية إيلان بابه وتلميذه تيدي كاتس هناك عدد من القضايا التي مارست فيها الحكومة الصهيونية وممثليها وأجهزتها تدخلا سافرا في الحياة الأكاديمية لعل أبرزها قضية التهجم على المحاضر التقدمي زيئيف شترنهيلعام (2008) من الجامعة العبرية بالقدس المعروف بمناهضته للاحتلال . وكان التهجم تم من قبل مجموعة يمينية متطرفة من المستوطنين بواسطة القاء قنبلة على ساحة بيته مما سبب الاذى له ولممتلكاته. وهناك محاولات تدخل من قبل جهاز الامن العام ومؤسسة الجيش لمنع منح تصريحات لقبول فلسطينيين ينوون الدراسة او إجراء الأبحاث بالبلاد لأسباب ليس لها علاقه بالامن. بحسب التقرير كان مجلس رؤساء الجامعات قد احتج على ذلك. إضافة إلى ذلك و بضغط من الجيش الصهيوني تم فصل المحاضر والمخرج نزار حسن من كلية سبير. وقد لوح ممثلو الجيش وقتها بالتهديد بوقف العلاقات بين الجيش والكلية إذا ما لم يتم فصل المحاضر الذي رفض استقبال طالب بالزي العسكري والبندقية. ومع أن الكلية أنكرت وجود هذا التهديد إلا أن حسن قد تم توقيفه عن التعليم حت قبل أن تتم إجراءات التحقيق بالحادثة. وكذلك نذكر قضايا اعتقال لطلاب جامعيين قاموا بالاحتجاج على الحرب على غزه عام 2008 -2009 وبعد اطلاق سراحهم تم وضعهم تحت شروط اطلاق سراح غير معقولة الأمر الذي منعهم من مواصلة تعليمهم إذ مُنعوا من مغادرة منطقة سكناهم لفترة طويلة.
جدير بالذكر أن عددا كبيرا من المحاضرين والأكاديميين أعلنوا أنهم لن يلتزموا بوثيقة كاشير، وسيحاربونها حتى النهاية وسط دعوات باستقالات جماعية من الإدارات والهيئات التمثيلية التعليمية ووقف التدريس رمزيا، كما أعلن عدد من السياسيين عن رفضهم للوثيقة أبرزهم المرشح لرئاسة حزب العمل عمير بيرتس الذي خلطب الوزراء وأعضاء الكنيست اليمينيين بالقول بامكانكم سن ما تريدون من قوانيني وعندما نستعيد السلطة سنلغيها كلها.
وهذه السياسات ليت سوى جزء من مسعى يميني شامل للهيمنة الكلية على كل نواحي المجتمع الصهيوني وهذه المرة باسم العلم حيث تعزز شرعنة العنصرية باسم العلم والثقافة والحرية الاكاديمية التي تستغل وتطوع لخدمة المشروع الصهيوني وتغوله الفاشي بالضبط بنفس الطريقة التي يتم فيها استغلال ادعاءات الديمقراطية الإسرائيلية المزيفة لخدمة نفس المشروع.

انشر المقال على: